تشريع ما شرعه من الأحكام لتلك الوقائع حال الأمة الأخرى التي يصدر عنها
التشريع فيما لانصّ فيه أدلة غير ممهدة للاهتداء بها، وعلماء المسلمين
أحاطوها بأسوار من القيود والشروط والإلتزامات ضيّقت نطاقها، وسدت
أبوابها، وجعلتها غير عملية.
وأنا ألتمسُ بعض العذر لهؤلاء المتوهّمين فيما توهّموه، لا! نواحي
الخصوبة والمرونة في النصوص التشريعيةِ في القرآن والسنة نواح دقيقة
لا يحيطُ بها إلا مَن استقرأَ تلك النصوص، وراض عقلَه على الاستدلال
بها، وأنعمَ النظر في جملتها وتفصيلها، ولأنّ نواحي الخصوبة والمرونة في
سائر الأدلة الشرعية قد غطاها علماء المسلمين ببحوث لفظية، وإختلافات
جدلية. وشروط وقيود ذهبت بمرونتها، وحالت دون الاهتداء بها، واشتد
تحجرُ هذه المصادر، وزاد ترإكم الأتربة عليها بسد باب الاجتهاد،
وإيجاب تقليد مجتهد من الأئمة الاربعة، فإنّ هذا عطَل استعمال مصادر
التشريع في الاستنباط وجمّدها، وعينُ الماء إذا لم يردها الواردون غاض
ماؤها، والأسلحة إذا لم تستعمل علاها الصدأ، وخيل إلى رائيها أنّ العيب
في جوهرها، والحقيقة أن عين الماء فياضة لو وردها المستقون، والاسلحة
ماضية وجوهرها كريم؟ لو وجدت من يحسن استعمالها" (1).
المطلب الثاني: نشأته وتكوينه العلمي
لقد حظي الشيخ عبد الوهاب خلاف رحمه اللّه بنشأة طيبة، حيث ولد في
أسرة محترمة منذ نعومة أظفاره إلى أن حفظ القرآن الكريم، وهيأت له سبلَ
الوصول إلى أفضل المعاهد في عصره، والاتصال بخيرة الاساتذة حتى فاق
أقرانه، وأثبت وجودَه العلمي أمام زملائه الطلاب حتى نال اعلى الشهادات
العلمية. وسوف أتكلّم في هذا المطلب عن مولده، وأسرته، وحفظه
__________
(1) بحث مصادر التشريع مرنة لخلاف، مجلة القانون والاقتصاد، (1945 م)
العددان الرابع والخامس، ص: 1 25 - 252.
23