كتاب عبد الوهاب خلاف الفقيه الأصولي المجدد

نحسّ بأننا فقدنا جزءأ من أنفسنا، ولكن لا يصحُّ انْ تنسينا أحاسيسنا ما فقده
العالم الإسلامي، وما فقده البيان العربي، فقد انصرف رحمه الله إلى
الدراسات الإسلامية يبحث في ذخائرها، وينقب في دفائنها، ويكتب ويبيّن
ويكشف في أسلوب سهل رصين. وكان رحمه اللّه لا يستوعر ولا يستوحش،
بل يتخير المعنى السهل المألوف، والقريب المعروف، وما لا يكون سهلأ
في ذاته يقرّبه ويؤنسه، حتّى يصيرَ بيِّناً مكشوفاً، وكان يختار من الألفاظ
والأساليب أقربها إلى الأذهان، وأوضحها في البيان، وأحسنها جرساً في
الاذان، حتى لقد كان يعدُّ اسلوبه البياني بحق من السهل الممتنع " (1).
ومما يدل على تمكنه في اللغة العربية إبداعه في تفسير بعض الايات
والسور القرآنية القصيرة، ولجوئه إلى اللغة العربية للترجيح بين الأقوال
المتعارضة. فقال في تفسير "يطيقونه " في قوله تعالى: " وَعَلَى اَئذِيفَ يُطِيقُوفَيُ
فِدْيَة طَعَامُ مِشكِينِ " أ البقرة: 184): "دفعاً للاشتباه في فهم هذ 5 الاَية أقرِّرُ
أنّه في اللغة العربية لا تستعمل كلمة الاجتهاد وكلمة الإطاقة إلا حيث يوجد
بذل جهد واحتمال مشقة، فلا يقال في الأمر السهل الهين: هو يجتهد فيه ا و
هو يطيقه، وإنّما يقال ذلك في الصعب العسير الذي هو مظنة مشقة، فلا
يقال: هو يطيق حمل نواة او ريشة او عشرة دراهم من حديد، وإنما يقال:
هو يطيق حمل قنطارين من الحديد أو حمل الامتعة الثقيلة، فالذين يطيقون
الصيام هم الذين يبذلون فيه الجهد، ويحتملون فيه المشقات، وإذا كان
الامر سهلاً هيناً، وقلت: أنا اطيقه، كان التعبير نابياً لغة وعرفاً، فهؤلاء
الذين يحتملون الصوم بجهد ومشقة للأعذار الدائمة اللازمة لهم؟ أباح اللّه لهم
ان يفطروا، وأوجب عليهم الفدية " (2).
(1)
(2)
كلمة الشيخ أبو زهرة في الشيخ خلاف، لواء الإسلام، س 9 (1956 م)،
ع (1 1)، ص: 691.
مقال: " المسلم وفريضة الصوم " لخلاف، لواء الإسلام، س (4)
(1950 م)،ع (1)، ص: 17 - 18.
84

الصفحة 84