ثانياً - أقوال الصحابة والتابعين المختلفة: إذا لم يجد الفقيهُ نصّا في
الكتاب او السنة او إجماع الصحابة فَيَسْتَئْنِسَ بأقوال الصحابة والتابعين،
ولا يَلْتَزمُ براي واحد معين منهم، وشعوغ له مخالفة آرائهم جميعاً والاجتهاد
في استنباط راي آخر، لأن تلك الأقوال المختلفة اراء اجتهادية لغير
معصومين، استنبطوها عن طريق القياس او الاستحسان أو المصالح المرسلة
أو الاستصحاب أو غير ذلك.
وإذا جاز للصحابي أن يخالف الصحابي الاخر، وللتابعي أن يخالف
التابعي الاَخر، جاز لغيرهما أن يخالفهما (1). ولأن كل عصر تولد فيه
حاجات، وتحدث فيه أقضية ومعاملات او تتجدد فيه مصالح وحاجات (2)،
فلا يعمل باجتهادات لعصور ماضية في وقائع حدثت في عصور لاحقة. وهو
رحمه اللّه يقتفي في ذلك أثر الإمام الشافعي الذي يرى عدم الأخذ بقول واحد
معين منهم إذا اختلفوا، حيث قال في الرسالة: " لا يجوزُ الحكمُ أو الإفتاءُ
إلاّ من جهة خبر لازم -وذلك الكتاب او السنة - أو ما قاله أهل العلم،
لا يختلفون فيه، أو قياس على بعض هذا" (3).
هذا إذا كانت الوقائع التي تحدث للناس تتعلق بمعاملات الناس التي
تختلف باختلاف الأعراف والبيئات، كما قال الشيخ خلاف: " والأحكام التي
استنبطها المجتهدون في البيع والإجارة والرهن والمضاربة والمداينة وغيرها إنما
هي أحكام استنبطوها تحقيقاً لمصالح الناس في عصر استنباطها،
وما استنبطوها لتكون قانوناً مدنياً واجباً على المسلمين تتقيد بأحكامه في كل
زمان وكل بيئة، ولهذا خالفَ مجتهدو العراق مجتهدي الحجاز في كثير من
الأحكام المدنية تبعاً لاختلاف البيئتين. . ولا ريب في أنّ تطبيق هذ 5 الأحكام
(1)
(2)
(3)
بتصرف من علم اصول الفقه لخلاف ص: 95.
بتصرف من مقال: "كيف يساير الفقه الإسلامي تطور المسلمين؟ " لخلاف،
رسالة الإسلام، س (1) (1949 م)،ع (2)، ص: 147.
الرسالة للشافعي ص: 562.
98