الجزئية في غير عصرها، وفي غير بيئتها لا يتّفق مع المصالح، ولا يساير
التطورات " (1).
ثالثاً - الاجتهادُ فيما لا نمنَ فيه: إذا لم يكن في المسألة المعروضة نصٌّ
من كتاب أو سنة أو إجماع فإنّه يصار إلى الاجتهاد بالراي، وهو كما عرفه
الشيخ خلاف بأنه " بذل الجهد في استنباط الأحكام بالقياس أو الاستحسان،
أو الاستصلاح، أو البراءة الأصلية، أو العرف، أو غيرها من الأمارات التي
اعتبرها الشارع " (2)، وقد يحمل على هذا قول معاذ بن جبل لما قال له
رسول اللّه! سَي! وقد ولاه اليمن: " بم تقضي إذا عرض لك قضاء"؟ قال: أقضي
بكتاب اللّه، قال: "فإن لم تجد"؟ قال: فبسنة رسول اللّه، قال: "فإن لم
تجد"؟ قال: أجتهد رأص! ولا اَلو. فأقره رسول اللّه! ي! وقال: " الحمد دلّه الذي
وفّق رسولَ رسولِ اللّه لما يرضي اللّه ورسوله (3) ".
والاجتهاد بالرأي إمّا أن يكون بإلحاق المسألة بنظائرها بما ورد في القرآن
أو السنة، وهو ما يعرف بالقياس. وإما بتطبيق مبادئ التشريع العامة من
الإباحة الأصلية أو قاعدة "الأصل في الأشياء الإباحة " واعتبار المصلحة
المرسلة بضوابطها الشرعية.
وكما يكون الاجتهادُ فردياً يقومُ به فقيه واحد او مجتهد، يكون جماعياً
تقوم به هيئةٌ علمية أو مجمع فقهي، وبخاصة في هذا العصر الذي تعقدت
فيه الوقائع المستجدة، ودخل فيها كثير من الصيغ والعقود وغير ذلك. وقد
دعا الشيخ عبد الوهاب خلاف إلى تكوين هذه الهيعة، حيث قال: "أول
ما يجب علينا هو أن نطالِبَ بإيجاد هيئة من علماء الدين ورجال القانون
والاقتصاد تكون لها صبغة رسمية يرجع إليها الأفراد والحكومة لمعرفة حكم
(1)
(2)
(3)
مقال الإسلام ومصالج الناس لخلاف، مجلة لواء الإسلام، س (5)
(1951 م)،ع (2)،ص:87.
الاجتهاد بالرأي لخلاف ص: 6.
سنن أبي داود، كتاب الأقضية، باب اجتهاد الرأي في القضاء (3592).