ومنذ ذلك الوقت تلقيتُ عدداً كبيراً من الرسائل من قبل المسلمين الذين
انتقدوا وصفي المادح للحياة العربية التقليدية في القرون الوسطى، مثل
استعمالهم الزي الوطني، والاكل بالأيدي من طبق عام، والنوم على
بساط أو حصير مفروش على الأرض، إنّهم مصرون على أنى أسأتُ
إلى القضية العربية إذ وصفت الحياة العربية في هذه الصورة المتخلفة.
ما رايكم فيه؟!
إنّ المثقفين العصريين الذين يحكمون البلاد في اَسية وإفريقية،
نجدهم قلقين مضطربين، بل مصابين بجنون النهوض ببلادهم. وهذا
ليس لأنّهم يريدون النجاح للفقراء، بل هم خجلون من سوء حالتهم،
وتنتابهم الرِعدةُ مما يعانون من العُقَد النفسية الشديدة كلّما توصف
بلادهم بالتخلف.
وأعتقد أنّ جنون تصنيع البلاد لا ينجم لديهم عن التفكير في الفائدة
الإيجابية التي تحصل عليها البلاد، بل لأنَّ المصانع الكبيرة والسدود
العظيمة والمشاريع الكهربائية تجلبُ لهم الاحترام والإِكبار في قلوب
زعماء الدول الراقية.
الشعوب لا تختلف عن الأفراد الذين يجهدون أعصابهم ليكدسوا
أكبر قدر ممكن من الأموال ليراءوا ويتباهوا بها أمام العالم. وقد جاء في
القراَن الكريم ما يصوّر هذا السلوك تصويراً جيدأ إذ قال تعالى:
" آغلَموا أَنَّمَا الحيَؤةُ ألدُّيَا لَعِبٌ وَقَو وَزِفَي وَتَفَاخُر بيَتبَهتُم وَتَكلَثُر فِى ألأَضوَلِ
وَالْأَؤلَدِ" أ الحديد: 20) إن الاية الكريمة هذه تحقق صدقها في هذا
العصر أكثر من عصر النبي صلى اللّه عليه وسلم.
والاَن أستطيعُ أن ادرك لماذا كان الإِيمان باليوم الاَخر من الأمور
105