الضرورية في الإِسلام؟ ولماذا يؤكد عليه القرآن في كل آية تقريباً؟ فإنّ
الإِنسان إذا امن باليوم الاخر، فالأشياء التي كانت لديه ذات أهمية،
سرعان ما تفتقد أهميتها. إن الإِيمان باليوم الاَخر يعطي الإِنسان وجهة
نظر صحيحة عن الحياة الدنيا، ويمكِّنه من التمييز بين ما هو ذو أهمية
في الواقع وما لا أهمية له. ومن ثَمَّ يقوِّي صلته بالأشياء التي تبقى للأبد
ولا يلتفت إلى الأغراض المادية التي تفنى سريعاً من غير أن تترك لها
أثراً من ورائها (1).
الإِيمانُ بأنَّ اللّه يحكم بين العباد في اليوم الاَخر هو العامل المؤثر
وراء القوانين الأخلاقية. ولا مفهوم للدين من دون الاعتقاد في البعث
بعد الموت. وإذا كانت هذه العقيدةُ ضرورةً أخلاقيةً فلا يمكن أن تكون
نتيجة " التفكير النفعي " كما يزعم أهل الشك، بل هي حقيقةٌ ذاتُ هدف
معلوم. لفد ذكرت لكم سابقاً مدى الانعزال الرهيب الذي أشعر به عن
أولئك الأفراد الذين لا يشاركوننا في التفكير.
هنا في نيويورك جمعية صغيرة للمسلمين الذين أقابلهم كل أسبوع
في المسجد، عندما أذهب إليه لاَخذ دروس العربية. ويوم الجمعة
أذهب إلى جامعة كولومبية لمقابلة الطلبة المسلمين من البلاد المختلفة.
ونجتمعُ فيها لصلاة الجمعة، ثم للغداء مع المناقشة وتبادل الاراء،
فنجدهم يخالفونني في الأفكار، كما يخالفني فيها أبي وأمي. إنّهم
يعتقدون بشدة أنه لا بد من التوفيق بين الإِسلام والحضارة الغربية
(1)
هذا مصداق الحديث النبوي "أكثروا ذكر هاذم اللذات الموتِ، ف! نه لم
يذكره أَحَدٌ في ضيؤ من العَيْشِ إلا وسّعَهُ عليه، ولا ذكره في سَعة إلا
ضيّقها عليه " (ن).
106