نظاماً عمليأ واقعياً يسيرُ البشرُ في الأرض على مقتضاه. ويحاولون دائماً
أن يصوغوا واقعَ الأرض في إطاره. ومن ثَمّ فهو دائمأ يقيس كلَّ عمل
فردي أو جماعي، وكلَّ شعورٍ فردي أو جماعي بمقدار قربه أو بعده عن
ذلك النظام الذي وضعه اللّه، والذي ينبغي تحقيقه في واقع الأرض لأنه
قابل للتحقيق.
والتاريخ هو في نظر المسلم سجلُ المحاولة البشرية الدائمة لتحقيق
ملكوتِ اللّه في الأرض. ومن ثَمَّ فكلُّ عمل وكلُّ شعور - فردياً كان أ و
جماعيأ - ذو أهمية بالغة، لا! الحاضر هو نتيجة الماضي، والمستقبل
متوقف على الحاضر، وكل عمل أو شعور للفرد أو للجماعة هو جزلمح!
من هذا الكيان العام المشتبك المتلاحق الذي يقاس بمقدار قربه أو بعده
من النظام الإلهي المفروض، القابل دائماً للتطبيق.
" وأما الماركسي فهو يؤمنُ كذلك ايماناً جادّاً بالتاريخ، ولكن
على نحو آخر. إنّه يؤمن بحتمية التاريخ. . . بمعنى أنَّ كلَّ خطوة تؤدّي
إلى الخطوة التالية بطريقة حتمية. ولكنّه لا يؤمن إلا بهذا العالم المادي
المحسوس. بل لا يؤمن من هذا العالم إلا بالمذهب الماركسي وحده 0
وكل شي! عدا هذا العالم، بل عدا المذهب الماركسي منه، فهو
باطل. ومن ثَمَّ لا توجدُ مقاييس خارجية يمكن أن يقاسَ إليها العالَمُ أ و
التاريخ أو المذهب ذاته. وإنّما مقاييسه ذاتية. فما يراه صواباً فهو
صواب. وما يقع بالفعل هو ما لابدَّ أن يقع.
والماركسي يتبع عجلة التاريخ، ولكنه لا يوجهها ولا يقيسها بأية
مقاييس خارجة عنها، لا المقاييس الاخلاقية ولا الروحية
ولا الالهية، وكل عمله في خط سير التاريخ ألا يففُ في طريق تلك
العجلة، بل يسايِرُها في دورانها في خطها المرسوم.
212