والروحية وبين السلوك الواقعي في الحياة. نظام لا يمكن ان يطبق
بمعزل عن حياة الناس الاجتماعية في عالم الواقع. نظام لا يعرفُ
الثنائية الموجودة في النظم الأخرى، التي تضعُ مثالاً نظرياً غيرَ قابلى
للتطبيق في ناحية، وواقعاً غيرَ محكو! بهذا المثال في ناحية أخرى،
ولا تحاوِلُ المزجَ بين هذا وذاك 0
كل تلك الأفكار الجميلة الناصعة الصافية المبلورة، يعرِضُها
الكاتب في أمانة وانصاف، لاتتوقعهما من رجل غربي لايدين
بالإسلام.
بل إنّه ليتجاوزُ النطاق الفكري الخالص إلى نطاق السياسة،
فيحدثك بنفس الصراحة في مواضع دقيفة، فيذكر لك انّ الغربَ لم
يتخلّص بعدُ -ولا يظن المؤلف انه يستطيع أن يتخلّص بسهولة - من
الروح العدائية التي يحسُّ نحو الإسلام، والتي عاشَ فيها ثلاثة عشر
قرناً متوالية، ولا من ذكرى الفزع الذي ظل يحس به قروناً طويلة من
جرّاء توسّع الجيوش الإسلامية وانتقاصها أطراف الإمبراطورية الرومانية
من الشرق والغرب، وتوغلها في قلبها، وتهديد مراكزها. . . ذلك
الفزعُ الذي لا يدانيه في راي المؤلف فزع الغرب من الشيوعية في القرن
العشرين. وهو يقول في صراحة: إنّ هذا العداءَ ما يزال ماثلاً حتى اليوم
في تصرفات الغرب نحو العالم الإسلامي، في عدوانه عليه بالسلاح
تارة، وبالضغط الاقتصادي تارة، وبالحرب الفكرية والروحية تارة،
وإنّ خلق إسرائيل في قلب العالم الإسلامي كان جزءاً من خطة الغرب في
محاولة القضاء على الإسلام، وجزءاَّ مَن بقايا تلك الروح العدائية
الكامنة في نفوس الغربيين.
214