كتاب مريم جميلة المهاجرة من اليهودية إلى الإسلام

المظهر البدني بيني وبين أترابي النصرانيات. كل ذلك جعلني أعتقدُ أ ن
كوني يهودية يعني كوني مختلفة، ولا أتبع في الحقيقة المجتمعَ الذي
كان عليَّ أن أكون جزءًا منه.
وعندما كنتُ في التاسعة والعاشرة من العمر، وطوال السنتين من
دراستي الأسبوعية الدينية اليهودية، استبدّت بي فكرةُ البحثِ الشخصي
عن الحقيقة، فالتهمتُ كلَّ ما وصلتْ إليه يدي من كتب اليهودية التي
وضعت بالإنكليزية. وسرعانَ ما ألفتُ تاريخَ اليهود المحزن، حتّى إنّ
الصورَ التي كانت مرسومةً على صفحات الكتب التي قرأتها، بدت في
بعض الأحيان حقيقة أكثر من الحياة الواقعية التي حولي. وبدا لي
(راشي) وهو من أبرز علماء اليهود في أوروبة في العصور الوسطى كفتى
نحيل، بقلنسوته الضيقة، وذؤابتيه الطويلتين، وعينيه الواسعتين
السوداوين الحزينتين، يجلس متربعاً، ويتلو من الفجر إلى الغسق من
سِفْر من التلمود، و (موسى بن ميمون)، وهو مفكّرٌ لامعٌ اخر، وهو
يصفُ في رسالةٍ لصديقٍ له ايّامه في مصر عندما كان طبيباً خاصاً
لصلاح الدين الأيوبي، ثم ازدهار الثقافة العبرية في إسبانية المسلمة،
وما تلاه من أحداث تاريخية لا نهايةَ لها من المذابح والاضطهادات
المتعاقبة إبان الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش الإسبانية، وفي
النهاية عزل يهود أوروبة بالقوة في الأحياء اليهودية "الغيتو".
وفي الطريق إلى شقة قريبتي في مدينة نيويورك، وكانت هناك
مدرسةٌ لتدريب الأحبار اليهود حيث كان المتدينون من الاباء يرسلون
أبناءهم بقلانسهم الضيقة، وذوائبهم المتدلية، وأكداس من الكتب
العبرية. فيجلسون يتمايلون إلى الأمام وإلى الخلف، يرتّلون بأصوات
عالية منسجمة التوراة والتلمود، تحت إِمرةِ مدرّس شديدٍ قاسٍ، ذ ي
40

الصفحة 40