كتاب مريم جميلة المهاجرة من اليهودية إلى الإسلام

ويستعلي اليهودُ بأنفسهم اليومَ على أيِّ شيءٍ آخر. وذلك لبقائهم
واستمرارهم كشعب رغم الاضطهادات والمذابج المتعاقبة على مرّ
العصور، التي قصدت استئصال شأفتهم. إنهم لا يملّون من التباهي
كيف أنّهم عاشوا بنجاح، بينما امم لا تُحْصَى غيرهم أشد منهم قوة
بعددهم وجمعهم قد بادت. ولكن بما أنّ مظاهر اليهودية قد ضعفت،
وذلك بسبب انهزام اليهود انفسهم تحت وطأة "الدنيوية" و"المادية
الحديثة "، فهنا يأتي السؤال: لقد حافظ اليهودُ على بقائهم، ولكن
لأية غاية عاشوا؟ ما مِنْ أحدٍ من اليهود الذين عرفتُهم في مجتمعي
الوطني فكّر يوماً في إلقاء هذا السؤال على نفسه. فكيف بالإجابة
عليه؟؟ وهم كغيرهم من اليهود المعاصرين في كل مكان يعتبرون
الاستمرار في البقاء بالمفهوم الحيوي والسياسي الزمني المجرد كافياً
تمامأ.
فيا لسخرية الحياة من هذه الأمة التي كانت رسالتها الوحيدة "كشعب
اللّه المختار" هي أن تنير العالم بمعرفة وحدانية اللّه وأوامره السماوية؟!
إنني لم أعتنق الإسلام لكراهيتي لشعبي أو تقاليد الأجداد. لم تكن
رغبة في الرفض بقدر ما كانت رغبة في الحقيقة. كانت بالنسبة لي تعني
التحوّل من عقيدة منطوية محدودة إلى أخرى ثورية وحركية لا تقنعُ
بشيء ادنى من سيادة العالم. وهكذا، فإنني أستطيعُ القول مع رجل
آخرَ من بني إسرائيل الذين اختاروا السير في الدرب نفسه (1):
"إنّ جدّي الأول إبراهيم عليه السلام كان سيدرك تماماً غايةَ وجودي
هنا في مكة. ذلك أن حيرتي الضئيلة بالنسبة لمحنته المرعبة لم تكن
(1)
هو المسلم النمساوي الشهير (محمد أسد) صاحب المؤلفات البديعة.

الصفحة 49