كتاب محمد صالح العثيمين العالم القدوة المربي والشيخ الزاهد الورع

الدرس الأخير للشيخ رحمه اللّه في الحرم المكي:
الدرسُ الأخيرُ لفقيد الأمة وفقيد العلم في الحرم كان في ليلة الثلالْاء
المتمم للثلاثين من رمضان لعام 421 اهـ، وكان صوتُ الشيخ - رحمه
اللّه - يشيرُ إلى ما وصلت إليه حاله من تدهور في الصحة العامة، ونُحولِ
سْديد في جسمه، حدَّث به عنه كلُّ مَنْ راَه، لا سيما وانَّ مرض السرطان
معرودت عنه أنه يسبِّبُ آلاماً رهيبة ومبرحة للمصاب به.
وكان مَنْ يسمعُ صوتَ الشيخ يعلمُ مقدارَ ما يعانيه، ولكنَّه كان مصرّاَ
على إلقاء درسه كالعادة، حتى لو لم يستمزَ إلا ثلثَ ساعة، أو أقلَّ من ذلك.
بدأ الشيخُ بالحديث بصوت اثقلته الالام، فتحدثَ عن العيد، وأنَّ الله
سبحانه وتعالى جعل للمسلمين ثلاثة أعياد - الأضحى والفطر والجمعة-
حُقَّ للمسلمين أن يفرحوا فيها، بما انعم اللّه عليهم من توفيق للأعمال
الصالحة، وفصّل فيها قليلأ، ثم انتقل إلى الإجابة على الأسعلة. .
وقد اطال الشيخ -رحمه اللّه - درسه تلك الليلة على غير ما اعتاده
تلاميذه في تلك السنة من اختصار، حتى إنَّ الدرس في الأيام السابقة لذلك
اليوم، ربما لم يكد يستغرق العشرين دقيقة، إلا أنَّ الدرس الأخير اخذ
أكثر من خمس وثلاثين دقيقة اجاب فيه - رحمه اللّه - على أسعلة كثيرة!! 0
ثم كانت اَخر كلمات نطق بها الشيخ، فأوشك على البكاء، وأبكى
من استمع له!!.
قال الشيخ بصوته المتعب: "وحيث إنَّ هذه الليلة هي ليلة الثلاثين
من رمضان، فسيكون هذا اَخرَ درس لهذا العام! ".
كان صوتُ لسانِ الحال أعلى من ذلك الصوتِ المثقَلِ بالالامِ، فكأنَّ
الشيخ لم يقل: "لهذا العام "، وكأنَّ من سمعوه لم يسمعوه يقول إلا: آخر
درس إلى الأبد!.
55

الصفحة 55