كتاب السيوف المشرقة ومختصر الصواقع المحرقة

بتقدير الله تعالى. وبقي خمس عشرة سنة في أرغد عيش حتى أتى أمر الله، فسيّر المعتضد جنودا لا قبل لهم بها، وذلك سنة سبعين ومائتين، فقاتلوا جنوده أشد القتال، فهزموهم بإذن الله وأسروا البرقعي وذهبوا به إلى بغداد. فأمر المعتضد أمير العسكر أن يقتله ويصلبه في جذع نخلة، ففعل كما أمر، فاضمحل الباطل حينئذ وانقشعت غيوم الضلال وتفرقت أتباعه أيادي سبأ.
ثم خرج سنة ثمان وسبعين ومائتين رئيس القرامطة واستولى على قطيف. وخرج هذه السنة فيما وراء النهر رجل منهم يقال له حكيم بن هشام الملقب بالمقنع، وكان بليغا ماهرا في علوم الشعوذة والحيل والنجوم والسحريات والطلمسات وكثير من علوم الفلاسفة، وكان يظهر للناس أمورا غريبة من السحر والشعوذة. فتبعه جمع كثير من الجهلة، حتى عمل قليبا في بلدة نسف يخرج منه بعد المغرب قمر منير يضيء خمس فراسخ ثم يأفل فيه قبل طلوع الفجر. فكثرت أتباعه إذ ذاك. ولقب تابعيه بالمقنعية. وادعى الخبيث أنه رابع أربعة آلهة فصدقته شيعته.
فأرسل إليه الخليفة وملوك ما وراء النهر جنودا تترى يقاتلونهم ثم يغلبون، حتى

الصفحة 55