ولهذا شواهد كثيرة، منها: ما رواه مسلم في صحيحه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - غزا غزوة الفتح - فتح مكة - ثم خرج - صلى الله عليه وسلم - بمن معه من المسلمين فاقتتلوا بحنين، فنصر اللَّه دينه والمسلمين، وأعطى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يومئذ صفوان بن أمية مائة من الغنم، ثم مائة، ثم مائة، قال صفوان: واللَّه لقد أعطاني رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إليّ، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليّ (¬1).
وقال أنس - رضي الله عنه -: ((إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها)) (¬2).
وإذا رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجل ضعيف الإيمان، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يجزل له في العطاء، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إني لأعطي الرجل وغيره أحبّ إليّ منه خشية أن يُكبَّ في النار على وجهه)) (¬3)؛ ولذلك كان - صلى الله عليه وسلم - ((يعطي رجالاً من قريش المائة من الإبل)) (¬4).
ومن مواقفه الحكيمة العظيمة في ذلك ما فعله - صلى الله عليه وسلم - مع المرأة المشركة صاحبة المزادتين (¬5)، فإنه بعد أن أسقى أصحابه من مزادتيها، ورجعت المزادتان أشد ملاءةً منها حين ابتدأ فيها قال لأصحابه: ((اجمعوا لها))، فجمعوا لها - من بين عجوةٍ، ودقيقةٍ
¬_________
(¬1) مسلم، كتاب الفضائل، باب ما سئل - صلى الله عليه وسلم - شيئاً قط فقال: لا، وكثرة عطائه، برقم 2313.
(¬2) مسلم، في الكتاب والباب المشار إليهما آنفاً، 4/ 1806.
(¬3) البخاري، كتاب الزكاة، باب قوله تعالى: {لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273]، برقم 1478، ومسلم، كتاب الزكاة، باب إعطاء من يخاف على إيمانه، برقم 150.
(¬4) البخاري، كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعطي المؤلفة قلوبهم، برقم 2978.
(¬5) المزادتان: مثنى مزادة، والمزادة: الراوية، ولا تكون إلا من جلد. انظر: القاموس المحيط، مادة (زود).