كتاب تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد ويليه شرح الصدور في تحريم رفع القبور

فإنَّهم إنَّما فعلوا تلك الأفاعيل، وهوَّلوا على الناس بتلك التهاويل، وكذبوا تلك الأكاذيب؛ لينالوا جانباً من الحطام من أموال الطغام الأغتام (1) ، وبهذه الذريعة الملعونة والوسيلة الإبليسية تكاثرت الأوقافُ على القبور، وبلغت مبلغاً عظيماً، حتى بلغت غَلاَّت ما يوقف على المشهورين منهم ما لو اجتمعت أوقافُه لبلغ ما يقتاته أهلُ قرية كبيرة من قرى المسلمين، ولو بيعت تلك الحبائس الباطلة لأغنى اللهُ بها طائفةً عظيمةً من الفقراء (2) ، وكلُّها من النذر في معصية الله، وقد صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا نذر في معصية الله"3، وهى أيضاً من النذر الذي لا يُبتغي به وجه الله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "النذر ما ابتغي به وجه الله"4، بل كلُّها من النذور التي يستحق بها فاعلُها غضب الله وسخطه؛ لأنَّها تفضي بصاحبها إلى ما يفضي به اعتقادُ الإلهية في الأموات من تزلزل قدم الدِّين؛ إذ لا يسمح بأحبِّ أمواله وألصقها بقلبه، إلاَّ وقد زرع الشيطانُ في قلبه مِن مَحبَّة وتعظيم وتقديس ذلك
__________
1 الطغام: جمع طغامة، وهو الأحمق، والطغام أوغاد الناس، والوغد: الأحمق الضعيف الرَّذل الدنيء.
والأغتم من لا يُفصح شيئاً، كما في القاموس المحيط.
2 وفي هذا المعنى يقول الشاعر المصري حافظ إبراهيم:
أحياؤنا لا يرزقون بدرهم وبألف ألفٍ تُرزق الأمواتُ
من لي بحظ النائمين بحفرة قامت على أحجارها الصلواتُ
يسعى الأنام لها ويجرى حولها بحرُ النذور وتُقرأ الآياتُ
ويُقال هذا القطب باب المصطفى ووسيلة تُقضى بها الحاجات
3 صحيح مسلم (1641) .
4 رواه الإمام أحمد (6714) ، وأبو داود (2192) ، وإسناده حسن.

الصفحة 115