كتاب تاريخ النقد الأدبي عند العرب

جيدا، والعكس في حال سيطرة الجسد. فذهب إلى القول بروحانية الشعر ولكنه لم يستطع أن يتحول بنقده إلى منهج منظم لأنه كان قليل البضاعة من الثقافة. وكذلك يمكن ان يقال في ابن خيرة المواعيني فإنه وقف عند فكرة التطور وقفة طويلة وسمي صورتها العامة باسم " التدريج " وحاول تطبيقها في ميدان التربية، ولهذا نسمعه يقول " والتدريج مطرد حتى في النبوة وتحمل الرسالة؟.. وإذا اعتبرت معنى التدريج وجدته في كل موجود من الحيوان والنبات على رتب النمو؟ " (1) ، ومع ذلك لم يستطع ان ينقل فكرته عن " التدريج " إلى حيز النقد الأدبي. أو إلى دراسته للشعر، لأنه فصل بين ثقافته العامة والنقد، واعتمد آراء الآخرين، ولم يكن لديه من الشجاعة في الرأي ما يسعفه على الاستقلال برأي ومنهج.
ومع ان ابن رشيق أعاد الوقفة التي وقفها ابن طباطبا حين أحسن بأزمة الشاعر المحدث، إلا أنه نقل هذا الإحساس إلى صعيد آخر، وهو مدى الصلة بين الآني والثابت، وإنما أوحى له بهذا الموقف أستاذه عبد الكريم، الذي أحس بالصراع بين النتاج الإقليمي المحلي (الآني القيمة) وبين النتاج العام (الخالد القيمة) وقد أقر كلاهما أن الأول لا غنى عنه، ولكنهما أعطيا قصب السبق لما تجاوز حدود البيئة والزمان، واتسم بالخلود؛ أي أن كلاً من ابن رشيق وعبد الكريم قد اكتشف قيمة " الثبوت " في تيار التطور - إن صح التعبير -.
من هذه الأمثلة - وأرى هذا القدر منها كافياً - يمكننا أن نرى أن المشكلة التي أثارت نقداً كانت في أكثر الأحيان مزدوجة الطرفين، وأنها حين نجمت عن طبيعة النقل والرواية في الشعر كانت تسمى مشكلة الأصالة والانتحال، وحين صدرت عن تغير في الذوق والأدوات الشعرية أصبحت
__________
(1) الريحان والريعان، الورقة: 7.

الصفحة 15