كتاب تاريخ النقد الأدبي عند العرب

مشكلة زمنية تسمى القدم والحداثة (أو مشكلة القديم والمحدث) ، وقد ماتت المشكلة الأولى من الوجود النقدي بعد ان وقف عندها ابن سلام، كما ماتت الثانية بعد ان ضرب الشعر المحدث في الزمن وتفاوتت درجات الحداثة نفسها، ولكن النقاد لم ينسوا هذه المشكلة التي تحولت عندهم دائماً إلى المشكلة " المتقدم والمتأخر " وظلوا يقفون عندها دون أن يتناولوها بالحماسة التي تناولها بها النقاد في القرن الثالث؛ وحين أصبحت الحداثة متفاوتة أو متنوعة انتقلت الأزمة إلى المفاضلة أو الموازنة بين اثنين اثنين من المحدثين (العباس بن الأحنف والعتابي/ أبو تمام والبحتري) وأصبحت المشكلة المزدوجة هي مشكلة الطريقة الشعرية، ويلمح في أساسها تلك المفاضلة بين مذهب النظم ومذهب المعاني؛ وأحياناً بين ما يسمى الطبع والصنعة في الشعر؛ وظل الحال كذلك حتى ظهر المتنبي، وقامت من حوله معركة شعرية عنيفة دامت طويلاً، ولم تكن القضية هنا ثنائية بطبيعتها، غذ كانت في أكثر من دائرة الشعر جملة، كما فعل النقاد المتأخرون في الأندلس من شيوخ ابن خلدون، إلا إنها كانت تتذرع بدرجة من الإنصاف لا تلبث أن تزول، وإذن فمن الممكن أن نتصور المشكلة مزدوجة وهي وضع التراث كله جملة في ناحية ووضع شعر المتنبي في ناحية أخرى ومحاولة الموازنة بينهما للقضاء على الثاني، وفي سبيل هذه الغاية ضاعت الفروق التي ثارت بين ابي تمام والبحتري، ورضي النقاد بهما معاً - رغم ما كان بينهما من تفاوت - بعد أن تصارعت الأذواق حول طريقتهما ردحاً طويلاً من الزمن. ولكن هل يمثل الشعر العربي كله حتى المتنبي نوعاً من الوحدة التي تلتقي عندها الأذواق المختلفة لقاء ترحيب وتزور عن شعر المتنبي؟ ذلك هو الأساس في الخدعة النقدية التي جرفت في طريقها غثاء كثيراً، وكانت المعركة في الحقيقة قتلاً لحيوية النقد، إذ أصبح على الناقد إما أن يقبل على المتنبي ليسهم في النقد وإنما أن يذهب في إعادة صياغة المشكلات القديمة، فإذا

الصفحة 16