كتاب الضعفاء لأبي زرعة الرازي في أجوبته على أسئلة البرذعي - أبو زرعة الرازي وجهوده في السنة النبوية

ومن ثمرة هذه الجهود المباركة ظهور علم الجرح والتعديل (¬1) بشكل منسق منضبط بقواعد وأصول، واستخدام مصطلحات وألفاظ دقيقة محكمة تعارف عليها أئمة هذا الشأن. فكان علماً مستقلاً متكاملاً، ومن أتقنه، فقد أتقن نصف العلم. قال علي بن المديني: " الفقه في معاني الحديث نصف العلم، ومعرفة الرجال نصف العلم" (¬2) .
لذلك لم يتقنه إلا نزر يسير في كل طبقة من طبقات حفاظ المحدثين. ومن هؤلاء الأئمة الذين عرفوا به شعبة بن الحجاج (ت 160 هـ) ، وسفيان الثوري (ت 161 هـ) والإمام مالك (ت 179 هـ) ، ثم بعدهم ابن المبارك (ت 181 هـ) ، ووكيع بن الجراح (ت 197 هـ) ويحيى بن سعيد القطان (ت198 هـ) والإمام الشافعي (ت 204 هـ) . وبعدهم يحيى بن معين (ت 233هـ) وعلي بن المديني (ت 234 هـ) ، وزهير بن حرب أبو خيثمة (ت234 هـ) ، وعبيد الله بن عمر القواريري (ت235 هـ) ، وإسحاق بن راهويه (ت238 هـ) وأحمد بن حنبل (ت241 هـ) . وبعدهم عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي (ت255 هـ) ، ومحمد بن إسماعيل البخاري (ت256 هـ) ، ومحمد بن يحيى الدهلي النيسابوري (ت258 هـ) ، ومسلم بن الحجاج (ت261 هـ) وأبو زرعة الرازي (ت264 هـ) ، وأبوداود السجستاني (ت275) وغير هؤلاء، ولقد تميز هؤلاء المذكورون عن الكثير من الحفاظ المتقنين بالإمعان في الحفظ وكثرة الكتابة وأفرطوا في الرحلة، وواظبوا على السنة والمذاكرة والتصنيف والمدارسة.
وهكذا حفظ الله سبحانه وتعالى لنا المصدر الثاني في التشريع بعد كلامه
¬__________
(¬1) أن نقد الرجال والتحري عن ضبط الرواة للحديث ابتدأ منذ عمر الصحابة - رضي الله عنهم - فتكلم في الرجال عمر، وعلي، وابن عباس، وابن سلام، وابن الصامت، وأنس، وعائشة، وصرح كل منهم بتهذيب من لم يصدقه فيما قَال. وكذا من التابعين كالشعبي، وابن سيرين، وابن المسيب، وابن جبير. وأما بالشكل المنضبط بالقواعد والمصطلحات، فنشأ في القرن الثاني، واستمر واكتمل في القرن الثالث. انظر: الإعلان بالتوبيخ ص 706 وما بعدها والمجروحين لابن حبان ج1، ص 31- 58.
(¬2) انظر: المحدث الفاصل ص 320، ومقدمة الذهبي في تذهيب تهذيب الكمال.

الصفحة 8