كتاب المجالسة وجواهر العلم - ط ابن حزم

حتى إذا تكاملت عدة أهل الأرض من إنسها وجنها وشياطينها ووحوشها وسباعها وأنعامها واستووا جميعا في موقف العرض والحساب تناثرت نجوم السماء من فوقهم وطمست الشمس والقمر وأظلمت الأرض لخمود سراجها وإطفاء نورها ومادت السماء من فوقهم فدارت بعظمها من فوقهم وأنت تنظر إلى هول ذلك فبينا ملائكة على حافاتها إذ انحدروا منها إلى الأرض للعرض والحساب فيفزع الخلائق لنزولهم مخافة أن يكونوا قد أمروا بهم وتفزع الملائكة إجلالا لمليكهم وقد كسيت الشمس حر عشر سنين وأدنيت من الخلائق قاب قوس أو قوسين فلا ظل لأحد إلا عرش رب العالمين فمن بين مستظل بظل العرش وبين مضح بحر الشمس قد صهرته وأسكرته ثم ازدحمت الأمم من العطش فاجتمع حر الشمس ووهج أنفاس الخلائق وتزاحم أجسادهم ففاض العرق منهم سيلا حتى استنقع على وجه الأرض ثم علا الأبدان على قدر أعمالهم ومراتبهم ومنازلهم عند الله عز وجل في السعادة والشقاء وأنت كأحدهم لا محالة حتى إذا بلغ منك ومنهم المجهود وطال وقوفهم لا يتكلمون ولا ينظر في أمورهم فما ظنك بوقوفهم ثلاث مئة عام لا يأكلون ولا يشربون ولا ينفح وجوههم روح ولا نسيم جو ولا ريح ولا يستريحون من تعب قيامهم

الصفحة 655