وهذا كلّه رغم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره السهروردي أيضاً في عوارفه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" المؤمن بألف ويؤلف , ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف " (¬2).
وهل تأتي الألفة بالتنافر والوحدة والعزلة والفرار من الناس أم بالمعاشرة والمخالطة والالتقاء والمصاحبة؟.
هذا وذكر الأموي عن الجنيد أنه قال:
" من أراد أن يسلم له دينه ويستريح بدنه وقلبه فليعتزل الناس , فإن هذا زمان وحشة " (¬3).
ولم يأمر الصوفية معتقديهم بالتنافر والفرار عن عامة الناس فحسب , بل عن الأقرباء وذوي الرحم أيضاً كما أنشد عجيبة الحسني:
أستغن عن كل ذي قرب وذي رحم ... الغنيّ من استغنى عن الناس
وأين يذهب بعد الاعتزال عن الناس والاستغناء عنهم , يبين ذلك صاحب " الأنوار القدسية " حيث يقول:
" من شأن المريد الصادق محبة العزلة عن الناس , واستغناؤه الجلوس في البراري والمواضع الخربة حتى يتقوى ويصبر ولا يتدّنس بالأعيار " (¬4).
ويقول: " المريد الصادق يحب الخلوة البعيدة عن مرور الناس كخلاوي السطوح ويجب أن تكون ضيقة حتى لا يصلح له مدّ رجله فيها , ويجب أن تكون مظلمة لا يدخلها نور الشمس " (¬5).
ولماذا يعتزل؟ يصرح بذلك الدمياطي حيث يقول:
¬_________
(¬1) جامع الأصول للكمشخانوي ص 174.
(¬2) أنظر عوراف المعارف للسهروردي ص 112.
(¬3) حياة القلوب لعماد الدين الأموي بهامش قوت القلوب للمكي ج 2 ص 93 ط ... دار صادر بيروت.
(¬4) الأنوار القدسية للشعراني ج 1 ص 140.
(¬5) أيضاً ج 1 ص 141.