حبه مسكينا ويتيما وأسيرا , أصحاب الأهل والعيال , وأرباب البيوت والأموال , يبتغون فضلا من الله ورضوانا , اللهم إلا من لم يجد إليها سبيلا , مغلوبا على أمره مقهورا مجبورا , وكان يكد ويجد ويجتهد صابرا شكورا إلى أن يغنيه الرزاق ذو القوة المتين.
خلافا للمتصوفة الذين جعلوا مسلكهم مبنيا على الغلو والتطرف , ومسلكهم على التعنت والتقشف , الذي لم ينزل الله به من سلطان , ولم يأت به في السنة من برهان , مخالفين طريقة نبي الله وصفيه وطريقة أصحابه خيار خلق الله وأوليائه , مخترعين مبتدعين غير مقتدين ولا متبعين , فقالوا: ما أخذنا التصوف عن القيل والقال لكن عن الجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات والمستحسنات (¬1).
وذكروا أن الجوع هو ركن من أركان التصوف وأساس من أسسه فقال قائلهم: " شأن المزيد كثرة الجوع بطريقة الشرعي , وهو معظم أركان الطريق , فكما أن الشارع جعل معظم الحج عرفة , كذلك أهل الله جعلوا الجوع هو الطريق " (¬2).
ونقل النفزي الرندي أن الجوع أحد الأركان الأربعة للتصوف , والبقية هي:
الصمت والخلوة والسهر , ومن حصل عليها فقد حصل على كلية الدواء والتحقق بزمرة الأولياء والبدلاء " (¬3).
وقال الشعراني: " كل فقير لا يحصل له جوع ولا عري فهو من أبناء الدنيا , ليس له في طريق الفقراء نصيب " (¬4).
وعلى ذلك نقل القشيري عن أبي علي الروذباري أنه قال:
" إذا قال الصوفي بعد خمسة أيام: أن جائع فألزموه السوق وأمروه بالكسب " (¬5).
وذكر الكمشخانوي عن الجوع أنه أحد أركان المجاهدة , وبسببه تنفجر ينابيع
¬_________
(¬1) الرسالة القشيرية ج1 ص 117 بتحقيق عبد الحليم محمود.
(¬2) الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية لعبد الوهاب الشعراني ج1 ص 55 ط دار أحياء التراث العربي بغداد.
(¬3) انظر غيث المواهب العلية للنفزي الرندي ج1 ص 92 ط القاهرة.
(¬4) الأخلاق المتبولية للشعراني ج2 ص 94 بتحقيق الدكتور منيع عبد الحليم محمود ط مصر.
(¬5) الرسالة القشيرية لعبد الكريم القشيري ج1 ص 377.