كتاب دراسات في التصوف

وأما نجم الدين الكبري فيذكر العشق نقلاً عن الجنيد أنه سئل عن العشق , فقال: " لا أدري ما هو , ولكن رأيت رجلاً أعمى عشق صبياً , وكان الصبي لا ينقاد له , فقال الأعمى: يا حبيبي , أيش تريد مني؟
قال الصبي: روحك , ففارق روحه في الحال " (¬1).

ثم يقول:

" وقد يفنى العاشق في العشق , فيكون العاشق هو العشق , ثم يفنى العشق في المعشوق , عشقت جارية بقرية على ساحل نيل مصر , فبقيت أياماً لا آكل ولا أشرب إلا ما شاء الله , حتى كثرت نار العشق فكنت أتنفّس نيراناً , فتتلقى الناران ما بيني وبين السماء , فما كنت أدري من ثمة أين تلتحقان. فعملت أن ذلك شاهدي في السماء " (¬2).

فهكذا أعتقد الصوفية أن الله يتجلّى في الصور الجميلة من النساء والصبيان , فالعشق بهنَّ هو العشق بذات الله تعالى , وعلى ذلك لا يستحيون من ذكر وقائعهم التي مضت بهم من العشق بالجواري والصبيان.

فهذا هو الحب الذي قالوا عنه:

" الحب حج ثان " (¬3).

ونقلوا عن يحيى بن معاذ الرازي أنه قال:

" لو ولّيت حساب الخلق يوم القيامة لم أعذب أحداً من العشاق لأنهم لا اختيار لهم في عشقهم " (¬4).

وأخيراً نذكر من ابن الفارض أبياته الخليعة المشهورة حيث ينشد:

ففي النشأة الأولى تراءت (أي الذات الإلهية) لآدم
ففي مرة لبني وأخرى بثينة
بمظهر حواء قبل حكم الأمومة
وآوانه تدعي بعزة عزت
وتظهر للعشاق في كل مظهر
ولَلسْنَ سواها , لا وَلا كُّنَّ غيرها
من اللبس في أشكال بديعة
وما إن لها في حسنها من شريكة (¬5).
¬_________
(¬1) فوائح الجمال وفواتح الجلال لنجم الدين الكبرى ص 37 , 38 ط ألمانيا بتحقيق المستشرق فريتز مائر.
(¬2) أيضاً ص 39.
(¬3) أنظر روضة التعريف بالحب الشريف للوزير لسان الدين ط دار الفكر العربي.
(¬4) أيضاً ص 415.
(¬5) مصرع التصوف ص 101 ط دار الكتب العلمية بيروت.

الصفحة 325