كتاب دراسات في التصوف

الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (¬1).
أو تحت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ّ) (¬2).

فالحاصل من الحكايات والأدعاءات التي سردناها آنفا أن الصوفية يريدون أن يثبتوا منها أن مشائخهم وأوليائهم ورؤسائهم كانوا قد وقفوا أنفسهم , ونذروا حياتهم للتعبد والتطوع ولم يكونوا يشتغلون بشيء من أمور الدنيا بل كان كل همهم الصيام والقيام , والذكر والسهر , والتسبيح والتهليل , والمجاهدات والرياضات , وأنها لرغبة عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم , وأعراض عن أسوته وقدوته وأتباع سيرته كما روى ذلك عن أبي بردة أنه قال:
(دخلت امرأة عثمان بن مظعون على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فرأيتها سيئة الهيئة فقلن لها: مالك؟ فما في قريش رجل أغنى من بعلك , قالت: ما لنا منه شيء , أما ليله فقائم , وأما نهاره فصائم فدخلن إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرن ذلك له فلقيه فقال:

يا عثمان , أما لك بي أسوة؟

فقال: بأبي وأمي أنت وما ذاك؟

قال: تصوم النهار وتقوم الليل , قال: إني لأفعل , قال: لا تفعل , إن لعينك عليك حقا , وإن لجسدك عليك حقا , وإن لأهلك عليك حقا , فصل ونم , وصم وأفطر) (¬3).

وعن أبي قلابة بلغ به صلى الله عليه وسلم أن ناسا من أصحابه أحتموا النساء واللحم اجتمعوا , فذكرنا ترك النساء واللحم فأوعد فيه وعداً شديداً , وقال: (لو كنت تقدمت فيه لفعلت) , ثم قال: (إني لم أرسل بالرهبانية , إن خير الدين الحنيفية السمحة) (¬4).
¬_________
(¬1) سورة الشورى الآية 21.
(¬2) متفق عليه.
(¬3) رواه البخاري.
(¬4) رواه الدارمي.

الصفحة 55