كتاب دراسات في التصوف

ومن الحكايات التي يسردها الصوفية بياناً لتواضع مشايخهم ما ذكرها اليافعي نقلاً عن إبراهيم بن أدهم أنه قال:

" ما سررت بشيء كسروري يوماً كنت جالسا فجاء إنسان وبال عليّ " (¬1).

ونقل السلمي عن أبي محمد الراسي أنه قال:

" لا يكون الصوفي صوفياً حتى لا تقلّه أرض ولا تظله سماء , ولا يكون له قبول عند الخلق " (¬2).

وقال آخر:

" الصوفي كالأرض يطرح عليه كل قبيح ويطؤه البرّ والفاجر " (¬3).

وذكر الشعراني في طبقاته حكاية أبي العباس أحمد بم مسروق بياناً لتواضعه وانسلاخه عن التكبر وتجرده عن الترفع , فيقول:
" جاءه مرة شخص فدخل داره لوليمة كانت عند أبي العباس بلا دعوة , فقال أبو العباس: لله علي أن أدعه يمشي إلا على خدّي حتى لأجلس موضع الأكل فوضع خده على الأرض ومشى عليه الرجل إلى أن أبلغ إلى موضع جلوسه , وصار يقول: مثل هذا الرجل يتواضع لي ويحضر وليمتي , بأيّ شيء أكافئه؟ " (¬4).

فبمثل هذه التفاهات كانوا يتصنعون التواضع , ويتكلفون به , ويتجاوزون إلى التهاون والتخاذل الغير معهود في السلف الصالح.

وأحيانا يأمرون مريديهم بحلق اللحية وتعليق المخلاة في رقبته إذلالا لنفسه وإسقاطاً لجاهه (¬5).

ويقول محمد بن أبي الحسن: مددت رجلي يوماً بعد صلاة المغرب , فهتف بي هاتف:
¬_________
(¬1) نشر المحاسن الغالية لليافعي ص 97 بهامش جامع الكرامات للنبهاني , أيضا إيقاظ الهمم لابن عجيبة ص 412.
(¬2) طبقات الصوفية لأبي عبد الرحمن السلمي ص 126.
(¬3) إيقاظ الهمم ص 5.
(¬4) طبقات الشعراني ج 1 ص 63.
(¬5) أنظر النور من كلمات أبي طيفور ص 113 ضمن شطحات الصوفية للدكتور عبد الرحمن بدوي ط الكويت , أيضاً إيقاظ الهمم لابن عجيبة الحسني ص 36.

الصفحة 68