كتاب دراسات في التصوف

ما حوله من البقل ويتخلى عن الدنيا ثم قال: لو أتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فإن أذن لي فعلت وإلا لم أفعل , فأتاه فقال: يا نبي الله إني مررت بغار فيه ما يقوتني من الماء والبقل فحدثتني نفسي بأن أقيم وأخلّي من الدنيا.

فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (إني لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية ولكني بعثت بالحنيفية السمحة والذي نفسي بيده لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها) (¬1).

وأما الأشياء التي تحصل لهم في خلواتهم فليست كرامات رحمانية كما يظنون , وإنها أحوال شيطانية كما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في فتاواه:

" وهذه الخلوات قد يقصد أصحابها الأماكن التي ليس فيها أذان ولا إقامة ولا مسجد يصلي فيه الصلوات الخمس , مهجورة إما مساجد وإما غير مساجد , مثل الكهوف والغيران التي في الجبال , ومثل المقابر لاسيما قبر من يحسن به الظن ومثل المواضع التي يقال أن بها أثر نبي أو رجل صالح , ولهذا يحصل لهم في هذه المواضع أحوال شيطانية يظنون أنها كرامات رحمانية " (¬2).

هذا وقد ذكر الجامي عن الصوفي المشهور شمس الدين التبريزي أنه كان يمكث في خلوته ثلاثة شهور لا يخرج منها أصلا , كما أنه لم يكن يسمح أحداً بالدخول فيها (¬3).

والشعراني يذكر صوفياً آخر مكث تسعة شهور في خلوته منقطعاً عن الخلق تاركاً للجمعة والجماعة فيقول:

" أنقطع الشيخ عبد الحليم المنزلاوي في الخلوة تسعة شهور يقرأ في الليل ختماً وفي النهار ختماً , ثم خرج ينفق من الغيب إلى أن مات , وأقمت عنده في زاويته نحو سبعة وخمسين يوماً فما رأيت الفقراء احتاجوا إلى شيء إلا ويخرج لهم من كيس صغير كعقدة الإبهام جميع ما يطلبونه " (¬4).
¬_________
(¬1) أنظر لذلك تلبيس إبليس لأبن الجوزي ص 324 ط دار الوعي العربي بيروت.
(¬2) فتاوى شيخ الإسلام ج 0 ص 406.
(¬3) نفحات الأنس للجامي ص 466.
(¬4) أنظر تذكرة أولياء بر صغير لميرزه أختر الدهلوي ج 2 ص 42 ط باكستان.

الصفحة 95