كتاب المختصر في أحكام السفر
يكثر منه الإنسان أو يكذب أو يغتاب أو يؤذي ويخاصم ويجادل، فيقسو القلب، وتضيع الأوقات، ويشغل عن ذكر الله، وتركه يقبض المؤانس ويمل الراكب والمسافر وينفر الطباع، ورد عند ابن أبي الشيخ في أخلاقه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إني لا أمزح إلا حقا». وورد عن سفينة قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر وكان إذا أعيا بعض القوم يلقي علي سيفه وترسه ويقول ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «أنت سفينة» (¬1)، يمازحهم ويداعبهم وهو الإمام الأعظم وسيد ولد آدم - صلى الله عليه وسلم -.
* يكره سفر الإنسان لوحده إذا وجد الصاحب أو لغير حاجة؛ لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم، ما سار راكب بليل وحده» رواه البخاري، ولما فيه من الوحشة وتسلط اللصوص عليه وعدم وجود المعين بعد الله عند حدوث الضرر. قال الإمام أحمد عن الرجل يسافر وحده:" ما أحب ذلك إلا أن يضطر مضطر" (¬2). قال الحافظ ابن حجر: "جواز السفر منفردا للضرورة والمصلحة التي لا تنتظم إلا بالانفراد والكراهة لماعدا ذلك" (¬3). ويستحب أن يطلب رفيقا تقيا، نقيا، راغبا في الخير، كارها للشر يحرص على إرضاء رفيقه وموافقته لا مخالفته، صبورا على ما يقع منه ويحتمل كل واحد منهما الآخر ويرى لصاحبه عليه فضلا وحرمة وكما قيل:
¬_________
(¬1) رواه أحمد وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 295.
(¬2) الآداب الشرعية لابن مفلح 1/ 457.
(¬3) فتح الباري 6/ 161.
الصفحة 55
152