كتاب تكملة الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

وله الآن عدَّة سنين لا يُفتي بمذهب معيَّن، بل بما قامَ الدليلُ عليه عنده، ولقد نصَرَ السنةَ المَحْضة والطريقة السلفية، واحتجَّ لها ببراهين ومقدِّمات وأمور لم يُسبق إليها، وأطلق عبارات أحجم عنها الأولون والآخرون وهابوا، وجَسَر هو عليها، حتى قام عليه خلقٌ من علماء مصر والشام قيامًا لا مزيد عليه، وبدّعوه وناظروه وكابروه، وهو ثابت لا يُداهن ولا يُحابي، بل يقول الحقَّ المُرَّ الذي أداه إليه اجتهادُه، وحِدَّةُ ذهنه، وسَعَة دائرته في السنن والأقوال، مع ما اشتهر عنه من الورع، وكمال الفكر، وسرعة الإدراك، والخوف من الله، والتعظيم لحُرمت الله.
فجرى بينه وبينهم حملاتٌ حربية ووقعات شامية ومصرية، وكم من نوبةٍ قد رموه عن قوسٍ واحدة فينجيه الله؛ فإنه دائم الابتهال، كثير الاستغاثة، قويّ التوكل، ثابت الجأش، له أورادٌ وأذكارٌ يُدْمنها بكيفية وجَمْعِية.
وله من الطرف الآخر مُحِبّون من العلماء والصلحاء، ومن الجُند والأمراء، ومن التجار والكبراء، وسائر العامة تحبُّه؛ لأنه مُنْتصب لنفعهم ليلاً ونهارًا، بلسانه وقلمه.
وأما شجاعته؛ فيها تُضرب الأمثال، وببعضها يتشبه أكابر الأبطال، فلقد أقامه الله في نوبة غازان (¬1)، والتقى أعباء الأمر بنفسه، وقام وقعد،
¬__________
(¬1) هو ملك التتار غازان – والعامة تقول: قازان – محمود بن أرغون، وجدّه الأعلى جنكيزخان، مات بعد معركة شقحب سنة (703) التي مُني فيها بهزيمة منكرة. انظر «أعيان العصر» (4/ 5 – 18)، و «الدرر الكامنة»: (3/ 212 – 214).

الصفحة 43