كتاب تكملة الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

وسعوا فيه، وأنه يتكلم في صفوة الأولياء، فعُمِلَ له محفل، ثم أخرجوه على البريد، ثم ردوه على مرحلة من مصر، ورأوا مصلحتهم في اعتقاله، فسجنوه في حبس القضاة سنة ونصفًا، فجعل أصحابه يدخلون إليه في السرّ، ثم تظاهروا، فأخرجته الدولة على البريد إلى الإسكندرية، وحُبس ببرج منها، وشيع بأنه قُتل، وأنه غرق غير مرةٍ.
فلما عاد السلطان من الكرك، وأباد أضداده، بادر باستحضار الشيخ إلى القاهرة مكرَّمًا، واجتمع به، وحادثه وسارره بحضرة القضاة والكبار، وزاد في إكرامه، ثم نزل وسكن في دار، واجتمع بعد ذلك بالسلطان، ولم يكن الشيخ من رجال الدولة، ولا سلك معهم تلك النواميس، فلم يعد السلطان يجتمع به. فلما قدم السلطان لكشف العدو عن الرحبة جاء الشيخ إلى دمشق سنة اثنتي عشرة.
ثم جرت له أمورٌ ومِحَن ما بين ارتفاع وانخفاض وفتر سوقه، ودخل في مسالك (¬1) كبار لا تحتملها عقول أبناء زمانه ولا علومهم، كمسألة التكفير في الحلف في الطلاق، ومسألة أن الطلاق الثلاث لا يقع إلا واحدة، وأن الطلاق في الحيض لا يقع، وصنف في ذلك تواليف لعلها تبلغ أربعين كراسًا، فمُنع لذلك من الفتيا، وساس نفسه سياسةً عجيبةً، واستبدَّ برأيه، وعسى أن يكون ذلك كفارة له، فالله يؤيده بروحٍ منه ويوفقه لمراضيه.
¬__________
(¬1) في بعض المصادر: «مسائل».

الصفحة 47