كتاب تكملة الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

وهو الآن يُلقي الدَّرْس، ويُقرئ العلم، ولا يُفتي إلا بلسانه، ويقول: لا يسعني أن أكتمَ العلم. وله إقدام و (¬1) شهامة وقوة نفسٍ توقعه في أمور صعبة، ويدفع الله عنه. وله نظمٌ قليل وسط، ولم يتزوج ولا تسرَّى، ولا له من المعلوم إلا شيء قليل، وأخوه يقوم (¬2) بمصالحه، ولا يطلب منهم غداء ولا عشاء في غالب الوقت.
وما رأيت في العالم أكرم منه، ولا أفرغَ منه عن الدينار والدرهم، بل لا يذكره، ولا أظنه يدور في ذهنه. وفيه مروءةٌ وقيام مع أصحابه، وسَعْي [في] مصالحهم. وهو لونٌ عجيبٌ، ونبأٌ غريب.
وهذا الذي ذكرت من سيرته فعلى الاقتصاد، وإلا فحوله أُناسٌ من الفضلاء يعتقدون فيه وفي علمه وزهده ودينه وقيامه في نصر الإسلام بكل طريقٍ أضعاف ما سُقت، وثَمّ أناس من أضداده يعتقدون فيه وفي علمه، لكن يقولون: فيه طيشٌ وعجلةٌ وحدّة ومحبة للرياسة. وثَمّ أناس – قد علم الناس قلة خيرهم وكثرة هواهم – ينالون منه سبًّا وتكفيرًا، وهم إما متكلمون، أو من صوفية الاتحادية، أو من شيوخ الزَّوْكَرَة (¬3)، أو
¬__________
(¬1) «إقدام و» ليست في (م).
(¬2) تحتمل «وإخوة تقوم». والعبارة في «تتمة المختصر»: (336 – الجامع): «وكان أخوه يقوم بمصالحه». وهي تؤيد ما أثبت.
(¬3) (ط): «الزركرة» خطأ. والزوكرة هي: التلبيس والخداع، وقد استعملها الذهبي في «السير»: (14/ 314، 21/ 193)، وابن القيم في «طريق الهجرتين»: (2/ 889) وغيرهما. وجاء في كلام لسان الدين ابن الخطيب «الزواكرة» ففسرها المقري في «نفخ الطيب»: (6/ 12) قال: «الزواكرة لفظ يستعمله المغاربة، ومعناه عندهم المتلبس الذي يظهر النسك والعبادة ويبطن الفسق والفساد». وانظر «تاج العروس»: (6/ 468). و «معجم دوزي»: (5/ 342).

الصفحة 48