كتاب تكملة الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

* جود شيخ الإسلام بالعلم:
قال ابن القيم: «ومن الجود بالعلم أن السائل إذا سلك مسألة استقصيتَ له جوابها جوابًا شافيًا، لا يكون جوابك له بقدر ما تدفع به الضرورة، كما كان بعضهم يكتب في جواب الفتيا: «نعم» أو «لا» مقتصرًا عليها.
ولقد شاهدت من شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه - في ذلك أمرًا عجيبًا، كان إذا سُئل عن مسألة حُكمية ذكر في جوابها مذاهب الأئمة الأربعة - إذا قَدَر - ومأْخَذَ الخلاف، وترجيح القول، وذكر متعلقات المسألة التي ربما أنفع للسائل من مسألته، فيكون فرحه بتلك المتعلقات واللوازم أعظم من فرحه بمسألته، وهذه فتاويه - رحمه الله - بين الناس، فمنْ أحبَّ الوقوفَ عليها رأى ذلك.
فمِنْ جُود الإنسان بالعلم: أنه لا يقتصر على مسألة السائل، بل يذكر له نظائرها ومتعلَّقها ومأخذها، بحيث يشفيه ويكفيه.
وقد سأل الصحابةُ رضي الله عنهم النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن المتوضّئ بماء البحر؟ فقال: «هو الطَّهور ماؤُه الحلُّ ميتتُه» (¬1). فأجابهم عن سؤالهم، وجادَ عليهم بما لعلَّهم في بعض الأحيان إليه أحوَج مما سألوه عنه.
¬__________
(¬1) أخرجه أبو داود (83)، والترمذي (69)، والنسائي: (1/ 50)، وابن ماجه (386) وغيرهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث صححه البخاري والترمذي وابن خزيمة وغيرهم وضعفه غير واحد والكلام عليه طويل الذيل. راجع «البدر المنير»: (1/ 348 - 381).

الصفحة 83