كتاب تكملة الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

وكانوا إذا سألوه عن الحكم نبَّههم على عِلَّته وحِكْمته، كما سألوه عن بيع الرُّطب بالتَّمْر؟ فقال: «أينقص الرُّطب إذا جفَّ»؟ قالوا: نعم قال: «فلا إذن» (¬1). ولم يكن يخفى عليه صلى الله عليه وسلم نُقصان الرطب بجفافه، ولكن نبّههم على عِلَة الحُكْم.
وهذا كثير جدًّا في أجوبته صلى الله عليه وسلم، مثل قوله: «إن بعتَ من أخيك ثمرة، فأصابتها جائحة فلا يحلُّ لكَ أن تأخذ من مال أخيه شيئًا، بم يأخذ أحدُكم مال أخيه بغير حقّ؟». وفي لفظ: «أرأيت إن منعَ الله الثمرة، بم يأخذ أحدُكم مالَ أخيه، بغير حق؟» (¬2). فصرَّح بالعلة التي يَحْرُم لأجلها إلزامه بالثمن، وهي منع الله الثمرة التي ليس للمشتري فيها صُنْع.
وكان خصومه - يعني شيخ الإسلام ابن تيمية - يعيبونه بذلك، ويقولون: سأله السائل عن طريق مصر - مثلاً - فيذكر له معها طريق مكة، والمدينة، وخراسان، والعراق، والهند، وأيّ حاجة بالسائل إلى ذلك؟
ولعمر الله ليس ذلك بعيب، وإنما العيب الجهل والكِبْر، وهذا موضع المثل المشهور:
لقَّبوه بحامضٍ وهو حُلوٌ ... مثلَ مَنْ لم يصل إلى العنقود» (¬3)
¬__________
(¬1) أخرجه أبو داود (3359)، والترمذي (1225)، والنسائي (7/ 268)، وابن ماجه (2264) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. قال الترمذي: حسن صحيح.
(¬2) أخرجه البخاري (2198)، ومسلم (1555) من حديث أنس رضي الله عنه.
(¬3) «مدارج السالكين» (2/ 293 - 295). وفي بعض الطبعات «خل» خطأ، والبيت لعلاء الوداعي (ت 716). انظر «الوافي بالوفيات»: (22/ 126).

الصفحة 84