كتاب العقود الدرية في ذكر بعض مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية ويليه الأعلام العلية - ابن عبد الهادي والبزار - ت العمران - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)
رب العالمين، واتباعه طرق الفلسفة في الاصطلاحات التي سموها
بزعمهم حكميات وعقليات، وانما هي جهالات وضلالات، وكونه التزمها
معرضا عن غيرها أصلا ورأسا، فغلبت عليه حتى غطت على عقله السليم،
فتخبط حتى خبط فيها خبط عشواء، ولم يفرق بين الحق والباطل، وإلا
فالله أعظم لطفا بعباده من أن لا يجعل لهم عقلا يقبل الحق ويثبته، ويبطل
الباطل وينفيه، لكن عدم التوفيق وغلبة الهوى أوقع من أوقع في الصلال.
وقد جعل الله تعالى العقل السليم من الشوائب ميزانا يزن به العبد
الواردات، فيفرق به بين ما هو من قبيل الحق، وما هو من قبيل الباطل، ولم
يبعث الله الرسل إلا إلى ذوي العقل، ولم يقع التكليف إلا مع وجوده،
فكيف يقال إنه مخالف لبعض ما جاءت به الرسل الكرام عن الله تعالى؟
هذا باطل قطعا، يشهد له كل عقل سليم، لكن <ومنل مجعلادله له بؤرا ما له
من نور) [ا لنور: 0 4].
قال الشيخ الامام قدس الله روحه: فهذا ونحوه هو الذي أوجب أني
صرفت جل همي إلى الاصول، وألزمني أن أوردت مقالاتهم و جبت عنها
بما أنعم الله تعالى به من الاجوبة العقلية والنقلية.
قلت: وقد أبان بحمد الله تعالى فيما ألف فيها لكل بصير الحق من
الباطل، و عانه بتوفيقه حتى رد عليهم بدعهم واراءهم، وخدعهم
و هواءهم، مع الدلائل النقلية بالطريقة العقلية (1)، حتى يجيب عن كل
شبهة من شبههم بعدة أجوبة جلية واضحة، يعقلها كل ذي عقل صحيح،
__________
(1) كذا، ولعلها: "و 1 لطرائق العقلية ".
756