كتاب العقود الدرية في ذكر بعض مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية ويليه الأعلام العلية - ابن عبد الهادي والبزار - ت العمران - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)
الفصل الرابع
في ذكر تعبده
اما تعبده - رضي الله عنه - فانه قل ان مممع بمثله؛ لانه كان قد قطع جل
وقته وزمانه فيه، حتى إنه لم يجعل لنفسه شاغلة تشغله عن الله تعالى ما
يراد (1) له من أهل ولا من مال.
وكان في ليله متفردا عن الناس كلهم، خاليا بربه عز وجل، ضارعا،
مواظبا على تلاوة القران العظيم، مكررا لأنواع التعبدات الليلية والنهارية.
وكان إذا ذهب الليل وحضر مع الناس بدأ بصلاة الفجر، ياتي بسنتها
قبل إتيانه إليهم، وكان إذا أحرم بالصلاة يكاد يخلع القلوب لهيبة إتيانه
بتكبيرة الاحرام، فإذا دخل في الصلاة ترتعد أعضاوه حتى يميد يمنة
ويسرة، وكان إذا قرأ يمد قراءته مدا كما صح في قراءة رسول الله لمجيم، وكان
ركوعه وسجوده وانتصابه عنهما من أكمل ما ورد في صلاة الفرض، وكان
يخف جلوسه للتشهد الاول خفة شديدة، ويجهر بالتسليمة الاولى حتى
يسمع كل من حضر، فاذا فرغ من الصلاة اثنى على الله عز وجل هو و! ن
حضر بما ورد من قوله: " اللهم أنت السلام ومنك السلام. . ." (2) الحديث،
ثم يقبل على الجماعة، ثم ياتي بالتهليلات الواردات حينئذ، ثم يسبح الله
ويحمده ويكبره ثلاثا وثلاثين، ويختم المائة بالتهليل، كما ورد، وكذا
__________
(1) كذا العبارة في النسخ.
(2) أخرجه مسلم (591) من حديث ثوبان رضي الله عنه.
758