كتاب العقود الدرية في ذكر بعض مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية ويليه الأعلام العلية - ابن عبد الهادي والبزار - ت العمران - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

يفتتحه ويختمه بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ثم يشرع في الذكر، وكان قد عرفت عادته لا يكلمه أحد بغير ضرورة
بعد صلاة الفجر، فلا يزال في الذكر يسممع نفسه، وربما يسمع ذكره من
الروحانية مع كونه في خلال ذلك يكثر من تقليب بصره نحو ال! سماء، هكذا
دأبه حتى ترتفع الشمس، ويزول وقت النهي عن الصلاة.
وكنت مدة إقامتي بدمشق ملازمه جل النهار وكثيرا من الليل، وكان
يدنيني منه حتى يجلسني إلى جانبه، وكنت أسمع ما يتلو وما يذكر حينئذ،
فرأيته يقرأ الفاتحة ويكررها، ويقطع ذلك الوقت كله، أعني من الفجر إلى
ارتفاع الشمس في تكرير تلاوتها، ففكرت في ذلك لم قد لزم هذه السورة
دون غيرها؟ فبان لي، والله أعلم، ان قصده بذلك أن يجمع بتلاوتها حينئذ
بين ما ورد في الاحاديث وما ذكره العلماء، هل يستحب تقديم الاذكار
الواردة على تلاوة القران أو العكس؟ فرأى رضي الله عنه أن في الفاتحة
وتكرارها حينئذ جمعا بين القولين وتحصيلا للفضيلتين، وهذا من قوة
فطنته وثاقب بصيرته.
ثم إنه كان يركع، فاذا أراد سماع حديث في مكان اخر سارع إليه من
فوره، مع من يصحبه، فقل أن يراه احد ممن له بصيرة إلا وانكب على يديه
فيقبلهما، حتى إنه كان إذا راه أرباب المعايش يتخطون (1) من حوانيتهم
للسلام عليه والتبرك به، وهو مع هذا يعظي كلا منهم نصيبا وافرا من
السلام وغيره، وإذا رأى منكرا في طريقه أزاله، أو سمع بجنازة سارع إلى
__________
(1) (ط): "يتخبطون "، والمثبت من (ك).
760

الصفحة 760