كتاب العقود الدرية في ذكر بعض مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية ويليه الأعلام العلية - ابن عبد الهادي والبزار - ت العمران - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

الفصل الخامس
في دكر بعض ورعه
كان رضي الله عنه في الغاية التي ينتهى إليها في الورع؛ لأن الله تعالى
أجراه مدة عمره كلها عليه، فانه ما خالط الناس في بيع ولا شراء ولا معاملة
ولا تجارة ولا مشاركة ولا زراعة ولا عمارة، ولا كان ناظرا مباشرا لمال
وقف، ولم يكن يقبل جراية ولا صلة لنفسه من سلطان ولا امير ولا تاجر،
ولا كان مدخرا دينارا ولا درهما ولا متاعا ولا طعاما، وانما كانت بضاعته
مدة حياته، وميراثه بعد وفاته - رضي الله عنه - العلم، اقتداء بسيد المرسلين
وخاتم النبيين محمد! سيم وعلى اله وصحبه ا جمعين، فانه قال: " ان العلماء
ورثة الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، ولكن ورثوا العلم فمن أخذ به
فقد أخذ بحظ وافر" (1).
وكان ينبه العاقل بحسن الملاطفة ورقيق المخاطبة ليختار لنفسه
طريقتهم، ويسلك سبيلهم، وان كان دونها من الطرائق من اتخاذ المباحات
جائز، لكن العاقل يدله عقله على طلب الاعلى. فانظر بعين الانصاف إلى
ما وفق الله له هذا الامام واجرى، مما اقعد عنه غيره وخذله عن طلبه، لكن
لكل شئ سبب، وعلامة عدم التوفيق سلب الاسباب، ومن اعظم
الاسباب: ترك فضول الدنيا [و] التخلي (2) عن غير الضروري منها. فلما
__________
(1) أخرجه أبوداود (43 36)، و الترمذي (682 2)، و ابن ماجه (23 2) من حديث أبي
الدرداء رضي الله عنه. صححه ابن الملقن في " البدر المنير": (7/ 587).
(2) العبارة في (ط): "لترك. . . التخلي دا ولعلها ما ثبت.
763

الصفحة 763