كتاب العقود الدرية في ذكر بعض مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية ويليه الأعلام العلية - ابن عبد الهادي والبزار - ت العمران - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)
وفق الله هذا الإمام لرفض غير الضروري منها انصبت عليه العواطف
الالهية، فحصل بها كل فضيلة جليلة، بخلاف غيره من علماء الدنيا،
مختار يها وطالبيها والساعين لتحصيلها، فانهم لما اختاروا ملاذها وزينتها
ورياستها= انسدت عليهم غالبا طرق الرشاد، فوقعوا في شركها يخبطون
خبط عشواء، ويحطبونها كحاطب ليل، لا يبالون ما ياكلون ولا ما يلبسون
ولا ما يتأولون (1) إلا ما يحصل لهم أغراضهم الدنيئة، ومقاصدهم الخبيثة
الخسيسة، فهم متعاضدون على طلبها، متحاسدون بسببها، أجسامهم ميتة،
وقلوبهم من غيرها فارغة، وظواهرهم مزخرفة معمورة، وقلوبهم خربة
مابورة.
ولم يكفهم ما هم عليه حتى أصبحوا قالين رافضها، معادين باغضها،
ولما ر وا هذا الامام عالم الاخرة، تاركا ما هم عليه من تحصيل الحطام من
المشتبه الحرام، رافضا الفضل المباج فصلا عن ا لحرام، تحققوا أن أحواله
تفضح أحوالهم، وتوضح خفي انفعالهم، و خذتهم الغيرة النفسانية على
صفاتهم الشيطانية، المباينة لصفاته الروحانية، فحرصوا على الفتك به أين ما
وجدوا، وأننسوا أنهم ثعالب وهو أسد. فحماه الله تعالى منهم بحراسته،
وصنع له غير مرة كما صنع لخاصته، وحفظه مذة حياته وحماه، ونشر له عند
وفاته علما في الاقظار بما والاه.
***
__________
(1) كذا في (ط، ك)، ولعلها: " يتناولون ".
764