كتاب العقود الدرية في ذكر بعض مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية ويليه الأعلام العلية - ابن عبد الهادي والبزار - ت العمران - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

الفصل السادس
في ذكر بعض زهده وتجرده وتقاعده عن الدنيا وتبعده
أما زهده في الدنيا ومتاعها، فان الله تعالى جعل ذلك له شعارا من
صغره. حدثني من أثق به عن شيخه الذي علمه القران المجيد قال: قال لي
ابوه وهو صبي - يعني الشيخ -: احب إليك أن توصيه وتعده بانك إذا لم
تنقطع عن القراءة والتلقين ادفع إليك كل شهر أربعين درهما. قال: ودفع
إ لي أربعين درهما، وقال: أعطه إياها، فانه صغير وربما يفرح بها فيزداد
حرصه على الاشتغال بحفظ القران ودرسه، وقل له: لك في كل شهر
مثلها. فامتنع من قبولها وقال: يا سيدي، إني عاهدت الله تعالى أن لا اخذ
على القران أجرا، ولم يأخذها، فرأيت أن هذالا يقع من صبي إلا لما لله فيه
من العناية.
قلت: وصدق شيخه، فان عناية الله هي التي أوصلته إلى ما وصل من
كل خير من صغره، ولقد اتفق كل من راه - خصوصا من أطال ملازمته-
أنه ما رأى مثله في زهده في الدنيا، حتى لقد صار ذلك مشهورا، بحيث قد
استقر في قلب القريب والبعيد من كل من سمع بصفاته على وجهها، بل لو
سئل عامي من أهل بلد بعيد من الشيخ: من كان أزهد هل هذا العصر
و كملهم في رفض فضول الدنيا، و حرصهم على طلب الاخرة؟ لقال: ما
سمعت بمثل ابن تيمية.
وما اشتهر له ذلك إلا لمبالغته فيه، مع تم! محيح النية، والا فمر، رأينا
765

الصفحة 765