كتاب العقود الدرية في ذكر بعض مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية ويليه الأعلام العلية - ابن عبد الهادي والبزار - ت العمران - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)
من العلماء قنع من الدنيا بمثل ما قنع هو منها، أو رضي بمثل حالته التي
كان عليها؟ لم يسمع انه رغب في زوجة حسناء ولا سرية حوراء، ولا دار
قوراء، ولا جوار، ولا بساتين ولا عقار، ولا شد على دينار ولا درهم، ولا
رغب في دواب ولا نعم، ولا ثياب ناعمة فاخرة ولا حشم، ولا زاحم في
طلب الرياسات، ولا راءى ساعيا في تحصيل المباحات، مع أن الملوك
والامراء والتجار والكبار كانوا طوع أمره، خاضعين لقوله وفعله، وادين أن
يتقربوا إلى قلبه مهما أمكنهم، مظهرين لاجلاله، أو أن يؤهل كلا منهم (1)
في بذل ماله.
فأين حاله هذه من أحوال بعض المنتسبين إلى العلم وليسوا من أهله،
ممن قد أغراه الشيطان بالوقيعة فيه بقوله وفعله؟ آلرى ما نظرو ببصائرهم
إلى صفاتهم وصفاته، ولسماتهم وسماته، وتحاسدهم في طلب الدنيا
وفراغه عنها، وتحاشدهم في الاستكثار منها، ومبالغته في الهرب منها،
وخدمتهم الامراء واختلافهم إلى ابوا بهم، وذل الامراء بين يديه، وعدم
اكتراثه بكبرائهم و ترابهم ومداجاتهم وتعبدا تهم، وصدعه إياهم بالحق،
وقوة جأشه في محاورتهم؟ بلى والله! ولكن قتلتهم الحالقة، حالقة الدين
لا حالقة الشعر، وغطى على أحلامهم حب الدنيا السارقة، سارقة العقل لا
سارقة البدن، حتى صبحوا قاطعين من باينهم (2) في طلبها، واصلين من
واصلهم في جلبها.
__________
(1) كذا العبارة في (ط، ك).
(2) (ط، ك): "ياتيهم " ولعلها ما أثبت ويدل عليها 1 لسياق بعدها.
766