كتاب العقود الدرية في ذكر بعض مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية ويليه الأعلام العلية - ابن عبد الهادي والبزار - ت العمران - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

وكان هذا دابنا (1) في غالب مدة إقامتي عنده، وما رأيت نفسي اغنى
منها في تلك المدة، ولا رأيتني ا جمع (2) هما مني فيها.
وحكى غير واحد ما اشتهر عنه من كثرة الايثار، وتفقد المحتاجين
والغرباء، ورقيقي ا لحال من الفقهاء والقراء، واجتهاده في مصا لحهم
وصلاتهم، ومساعدته لهم. بل لكل أحد من العامة والخاصة ممن يمكنه
فعل ا لخير معه، وإسداء ا لمعروف إليه بقوله وفعله، ووجهه وجاهه.
و ما تواضعه؛ فما رأيت ولا سمعت باحد من أهل عصره مثله في
ذلك، كان يتواضع للكبير والصغير، وا لجليل والحقير، والغني الصالح
والفقير. وكان يد ني الفقير الصالح ويكرمه ويؤنسه ويباسطه بحديثه
المستحلى زيادة على مثله من الاغنياء، حتى إنه ربما خدمه بنفسه؛ و عانه
بحمل حاجته، جبرا لقلبه، وتقربا بذلك إلى ربه.
وكان لا يسام ممن يستفتيه او يساله، بل يقبل عليه ببشارة وجه ولين
عريكة، ويقف معه حتى يكون هو الذي يفارقه، كبيرا كان أو صغيرا، رجلا
أو امرأة، حرا أو عبدا، عالما أو عاميا، حاضرا أو باديا، ولا يجبهه ولا
يحرجه ولا ينفره بكلام يوحشه، بل يجيبه ويفهمه ويعرفه الخطا من
الصواب، بلطف وانبساط.
وكان يلزم التواضع في حضوره مع الناس ومغيبه عنهم، في قيامه
وقعوده ومشيه، ومجلسه ومجلس غيره.
__________
(1) (ط، ك): "رأينا" والصواب ما ثبت.
(2) في (ط، ك): "أفقر" والمثبت من ال).
68

الصفحة 768