كتاب العقود الدرية في ذكر بعض مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية ويليه الأعلام العلية - ابن عبد الهادي والبزار - ت العمران - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)
الفصل الثامن
في هيئته ولباسه
كان رضي الله عنه متوسطا في لباسه وهيئته، لا يلبس فاخر الثياب
بحيث يرمق ويمد إليه النظر فيها، ولا طمارا، ولا غليظة تشهر حال لابسها
ويميز من عامة الناس بصفة خاصة يراه الناس فيها (1). بل كان لباسه وهيئته
كغالب الناس ومتوسطهم. ولم يكن يلزم نوعا واحدا من اللباس فلا يلبس
غيره. كان يلبس ما اتفق وحصل ويأكل ما حضر.
وكانت بذاذة الايمان (2) عليه ظاهرة. لا يرى متصنعا في عمامة ولا
لباس ولا مشية ولا قيام ولا جلوس، ولا يتهيالاحد يلقاه، ولا لمن يرد
عليه من بلد.
ومن العجب أني كنت قد رأيته قبل لقيه بمدة فيما يرى النائم، ونحن
جلوس نأكل طعاما على صفة معينة. فحال لقائي له ودخو لي عليه وجدته
يأكل مئل ذلك الطعام على نحو من الصفة التي رأيت. فأجلسني، وأكلنا
جميعا كما رأيت في المنام.
وأخبرني غير واحد انه ما رآه ولا سمع انه طلب طعاما قط ولا غداء
ولا عشاء، ولو بقي مهما بقي؛ لشدة اشتغاله بما هو فيه من العلم والعمل،
بل كان يؤتى بالطعام، وربما يترك عنده زماناً حتى يلتفت إليه، واذا أكل
__________
(1) في (ل، ك) زيادة: "من عالم وعابد"ه
(2) البذاذة: رئاثة ا لهيئة. وا لمراد: ترك الترفه والتنطع في اللباس والتواضع فيه. انظر " فتح
الباري ": (0 1/ 68 3).
771