كتاب العقود الدرية في ذكر بعض مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية ويليه الأعلام العلية - ابن عبد الهادي والبزار - ت العمران - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)
أكل شيئا يسيرا. قال: وما رأيناه يذكر شيئا من ملاذ الدنيا ونعيمها، ولا كان
يخوض في شيء من حديثها، ولا يسال عن شيء من معيشتها، بل جل همته
وحديثه في طلب الاخرة، وما يقرب إلى الله تعالى.
وهكذا كان في لباسه، لم يسمع أنه أمر أن يتخذ له ثوب بعينه، بل كان
أهله يأتون بلباسه وقت علمهم باحتياجه إلى بدل ئيابه التي عليه، وربما
بقيت عليه مدة حتى تتسخ ولا يامر بغسلها حتى يكون اهله هم الذين
يسألونه ذلك.
وأخبر أخوه (1) الذي كان ينظر في مصا لحه الدنيوية أن هذا حاله في
طعامه وشرابه ولباسه وما يحتاج إليه ممالا بد منه من أمور الدنيا، وما
رايت احدا كان أشد تعظيما للشيخ من اخيه هذا - أعني القائم باوده (2) -
وكان يجلس بحضرته كأن على رأسه الطير، وكان يهابه كما يهاب سلطانا،
وكنا نعجب منه في ذلك ونقول له: إن من العرف والعادة أن أهل الرجل لا
يحتشمونه كالاجانب، بل يكون انبساطهم معه فصلا عن الأجنبي، ونحن
نراك مع الشيخ كتلميذ مبالغ في احتشامه واحترامه، فيقول: إني أرى منه
شياء لا يراها غيري، اوجبت أن اكون معه ما ترون. وكان يسال عن ذلك
فلا يذكر منه شيئا لما يعلم من عدم إيثار الشيخ لذلك.
***
__________
(1) هو زين الدين عبد الرحمن بن عبد الحليم ابن تيمية (ت 747). ترجمته في " البداية
والانهاية ": (8 1/ 0 9 4) و"الدرر الكامنة ": (2/ 9 32).
(2) كذا، ولعلها: " باموره ".
772