كتاب العقود الدرية في ذكر بعض مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية ويليه الأعلام العلية - ابن عبد الهادي والبزار - ت العمران - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)
الفصل العاشر
فى ذكر كرمه رضي الله عنه
كان - رضي الله عنه - مجبولا على الكرم، لا يتطبعه ولا يتصنعه، بل
هو له سجية، وقد ذكرت فيما تقدم أنه ما شد على دينار ولا درهم قط، بل
كان مهما قدر على شئ من ذلك يجود به كله، وكان لا يرد من يسأله شيئا
يقدر عليه من دراهم ولا دنانير، ولا ثياب ولا كتب، ولا غير ذلك، بل ربما
كان يسأله بعض الفقراء شيئا من النفقة، فإن كان حينئذ متعذرالا يدعه
يذهب بلا شئ، بل كان يعمد إلى شيء من لباسه فيدفعه إليه، وكان ذلك
المشهور عند الناس من حاله.
حدئني الشيخ العالم الفاضل المقرئ أبو محمد عبد الله ابن الشيخ
الصالح المقرئ أحمد بن سعيد قال: كنت يوما جالسا بحضرة شيخ
الاسلام ابن تيمية رضي الله عنه، فجاء إنسان فسلم عليه، فراه الشيخ
محتاجا إلى ما يعتم به، فنزع الشيخ عمامته من غير أن يسأله الرجل ذلك،
فقطعها نصفين واعتم بنصمفها، ودفع النصف الاخر إلى ذلك الرجل، ولم
يحتشم للحاضرين عنده.
قلت: وربما توهم بعض من يحتاج إلى التفهيم أن هذا الفعل من
الشيخ فيه إضاعة المال، أو نوع من التبذل الذي يشين المروءة، وليس
الامر كذلك، فإنه لم يكن عنده حينئذ معلوم غير ئيابه، ورأى أن قطع
العمامة من بقية لباسه مما يفسده ولا يحصل به المقصود، ولم يكن عليه
ولا عنده حينئذ ثوب صحيح لا يحتاج إليه حتى يدفعه إليه، فسارع إلى
778