كتاب العقود الدرية في ذكر بعض مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية ويليه الأعلام العلية - ابن عبد الهادي والبزار - ت العمران - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)
الازقة، فدعا له بعض الفقراء، وعرف الشيخ حاجته، ولم يكن مع الشيخ ما
يعطيه، فنزع ثوبا من على جلده ودفعه إليه وقال: بعه بما تيسر وأنفقه،
واعتذر إليه من كونه لم يكن معه شئ (1) من النفقة.
وهذا أيضا من المبالغة في عدم إكثاره بغير ما يقرب إلى الله تعالى،
وجوده بالميسور كائنا ما كان، وهذا من أبلغ إخلاص العمل لله سبحانه،
فسبحان الموفق من شاء لما شاء.
وحدثني من أثق به - أيضا - أن الشيخ رضي الله عحه كان لا يرد أحدا
يسأله شيئا من كتبه، بل يأمره أن يأخذ هو بنفسه ما شاء منها، و خبرني أنه
جاءه يوما إنسان فسأله كتابا ينتفع به، فأمره أن يأخذ كتابا يختاره (2)، فرأى
ذلك الرجل بين كتب الشيخ مصحفا قد اشتري بدراهم كثيرة، فأخذه
ومضى، فلام بعضن الجماعة الشيخ في ذلك، فقال: لا يحسن بي أن أمنعه
بعدما سأله، دعه، فلينتفع به.
وكان الشيخ ينكر إنكارا شديدا على من يسأل شيئا من كتب العلم التي
يملكها ويمنعها من السائل، ويقول: ما ينبغي أن يمنع العلم ممن يظلبه.
ومن كرمه: أنه كان لا ينظر أبدا إلى جهة الملك والتمول.
وهذا القدر من كرمه يغني المقتدي.
***
__________
(1) في (ل): "كونه لم يحضر عنده لثيء".
(2) وقع تكرار في العبارة في (ط).
780