كتاب العقود الدرية في ذكر بعض مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية ويليه الأعلام العلية - ابن عبد الهادي والبزار - ت العمران - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

الشهادة، ووعدهم على قيامهم النصر والظفر والامن وزوال ا لخوف،
فانتدب منهم رجال من وجوههم وكبرائهم وذوي الاحلام منهم، فخرجوا
معه إلى حضرة السلطان غازان، فلما راهم السلطان قال: من هؤلاء؟ فقيل:
هم رؤساء دمشق، فأذن لهم، فحضروا بين يديه، فتقدم الشيخ رضي الله عنه
أولا، فلما أن راه أوقع الله له في قلبه هيبة عظيمة رضي الله عنه، حتى أدناه
و جلسه، و خذ الشيخ في الكلام معه أولا في عكس رأيه عن تسليط
المخذول (1) ملك الكرج على المسلمين، وضمن له أموالا، وأخبره بحرمة
دماء ا لمسلمين، وذكره ووعظه. فاجابه! لى ذلك طائعا، وحقنت بسببه دماء
المسلمين، وحميت ذراريهم، وصين حريمهم.
وحدثني من اثق به عن الشيخ كمال الدين ابن المنجا (2) قدس الله
روحه قال: كنت حاضرا مع الشيخ حينئذ، فجعل - يعني الشيخ -، يحدث
السلطان بقول الله ورسوله في العدل وغيره، ويرفع صوته على السلطان
حتى جثا على ركبتيه، وجعل يقرب منه في أثناء حديثه، حتى لقد قرب أن
تلاصق ركبته ركبة السلطان، والسلطان مع ذلك مقبل عليه بكليته، مصغ
لما يقول، شاخص إليه لا يعرض عنه. و ن السلطان من شدة ما وقع الله له
في قلبه من المحبة والهيبة سال من يخصه من أهل حضرته: من هذا
الشيخ؟ وقال ما معناه: إني لم ار مثله ولا أثبت قلبا منه، ولا أوقع من
حديثه في قلبي، ولا رأيتني اعظم انقيادا مني لاحد منه، فاخبر بحاله، وما
هو عليه من العلم والعمل، وساله إن احببت ان اعمر لك بلد ابائك حران،
__________
(1) (ط، ك): "ا لمخزول ".
(2) في "ذيل مرآة الزمان ": (1/ 55 2) وغيره: " وجيه الدين بن المنجا".
782

الصفحة 782