كتاب العقود الدرية في ذكر بعض مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية ويليه الأعلام العلية - ابن عبد الهادي والبزار - ت العمران - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

أو بذام؟ فيجازي المحق دار السلام، والمبطل دار الانتقام. فبعضهم صبا
إلى أقوالهم تقليدا، وصار في حق هذا الامام جبارا عنيدا، وأحس بذلك
من العامة قوم قد أصبحوا للحكام عبيدا، وتصوروا أن أخذهم بزمام
حصول المال يكون شديدا، فاصبحوا وهم لهم مصدقين، وفي طاعتهم
سابقين (1)، فاجتمع من هذا التركيب العديد، بحيث عاداه أكئر السادات
والعبيد، كل بحسب غرضه الفاسد، وهو مع ذلك كلما رأى تحاشدهم في
مباينته وتعاضدهم في مناقضته، لا يزداد للحق إلا انتصارا، ولكثرة حججه
وبراهينه إلا إظهارا.
ولقد يسجن أزمانا وأعصارا، ولم يولهم دبره فرارا. ولقد قصد أعداوه
الفتك به مرارا، و وسعوا حيلهم عليه إعلانا وإسرارا، فجعل الله حفظه
منهم له شعارا ودثارا، ولقد ظنوا أن في حبسه مشينة، فجعله الله له فضيلة
وزينة، وظهر له يوم موته ما لو رآه وادُّه أقر به عينيه، فإن الله تعالى لعلمه
بقرب أجله، ألبسه من الفراغ عن الخلق للقدوم على الحق أجمل حلله،
كونه حبس على غير جريرة ولا جريمة، بل على قوة في الحق وعزيمة، هذا
مع ما نشر الله له من علومه في الافاق، وبهر بفنونه البصائر والاحداق،
وملأ بمحاسن مؤلفاته الصحف والاوراق، كبتا ورغما للأعداء اهل البدع
المضلة والأهواء.
***
__________
(1) كذا وصوا بها: " مصد قون. . . سا بقون ".
786

الصفحة 786