كتاب العقود الدرية في ذكر بعض مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية ويليه الأعلام العلية - ابن عبد الهادي والبزار - ت العمران - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

ولما من الله عليه بذلك جعله حجة في عصره لاهله، حتى إن اهل
البلد البعيدة عنه كانوا يرسلون إليه بالاستفتاء عن وقائعهم، ويعولون عليه
في كشف ما التبس عليهم حكمه، فيشفي غلتهم بأجوبته المسددة، ويبرهن
على الحق من أقوال العلماء المتعددة، حتى إذا وقف عليها كل محق ذ و
بصيرة وقوى، ممن قد وفق لترك الهوى، أذعن بقبولها، وبان له حق
مدلولها، وان سمع عن أحد من أهل وقته مخالفته في حقه المشهور،
يكون ممن قد ظهر عليه عند الخاصة والعامة فعل الشرور، والاشتغال
بترهات الغرور.
ومن أراد تحقيق ما ذكرته فليمعن النظر ببصيرته، فانه حينئذ لا يرى
عالما من اهل أي بلد شاء موافقا لهذا الامام، معترفا بما منحه الله تعالى من
صنوف الالهام، مثنيا عليه في كل محفل ومقام، إلا وراءه من اتبع من
علماء بلده الكتاب والسنة، واشتغل بطلب الاخرة ورغب فيها، وبالغ في
الاعراض عنها وأهملها. ولا يرى عالما مخالفا له، منحرفا عنه، ملتبسا
بالشحناء له، إلا وهو من أكبرهم نهما في جمع الدنيا، وأوسعهم حيلا في
تحصيلها، وأكثرهم رياء، و طلبهم سمعة، وأشهرهم عند ذي اللب أحوالا
ردية، و شدهم على ذوي ا لحكم والظلم دهاء ومكرا، وأبسطهم في
الكذب لسانا، وان نظر إلى محبيه ومبغضيه من العوام، راهم كما وصفت
من اختلاف القبيلين الاولين.
ولقد معنت فكري ونظري، فرأيته كما وصفته، لا والله ما أ تحرج في
أحد منهما، ومن ارتاب في ذلك فليعتبر هو بنفسه فانه يراه كذلك، إن أزاح
عنه غطاء الهوى، وما كان ذلك كذلك إلا لما علم الله سبحانه من حسن
788

الصفحة 788