كتاب الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (اسم الجزء: 1)

بالثانية، ثم إنه ذكره بحرف (إذا) المقتضية لتكرار الفعل كرة بعد أخرى، وتسليمه ثلاثا على باب السعد، أمر نادر لم يذكر عنه - صلى الله عليه وسلم - في غير هذا الحديث.
والوجه فيه: أن نقول: معناه: كان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أتم على قوم، سلم عليهم تسليمة الاستئذان وإذا دخل، سلم تسليمة التحية، ثم إذا قام من المجلس، سلم تسليمة التوديع؛ وهي في معنى الدعاء، وهذه التسليمات كلها مسنونة، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يواظب عليها، ولا مزيد في السنة على هذه الأقسام.
[150] ومنه: قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث جرير رضي الله عنه: (من سن في الإسلام سنة حسنة، [32/ب] فله أجره ... الحديث) أي: أتى بطريقة مرضية يبتدأ به فيها.
وفي عامة نسخ (كتاب المصابيح): (فله أجرها) وهو غير سديد رواية ومعنى، وإنما الصواب: (أجره)، والضمير يعود إلى صاحب الطريقة، أي: له أجر عمله، وأجر من عمل بسنته، وظن بعض الناس: أن الضمير راجع إلى السنة، وقد وهم فيه- أيضا- بعض المتأخرين من رواة الكتابين، وليس ذلك من رواية الشيخين في شيء، والله أعلم.
[151] ومنه: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا تقتل نفس ظلما، إلا كان على ابن آدم الأول: كفل من دمها).
إنما قيد (ابن آدم) بـ (الأول)؛ لئلا يشتبه لأن في بني آدم كثرة؛ وهذا يدل على أن قابيل كان أول مولود من بني آدم. ويحتمل أنه قال: ابن آدم الأول) باعتبار البطن الأول من بني آدم.
ومعنى قوله: (كفل من دمها) أي: نصيب؛ وهو مثل قوله سبحانه: (ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها)، وقد زعم بعض أصحاب المعاني: أن الكفل في هذه الآية ليس بمعنى النصيب، بل هو مستعار من الكفل، وهو: الشيء الرديء، واشتقاقه من الكفل، وهو أن الكفل لما كان مركبا ينبو براكبه، صار متعارفا في كل شدة؛ كالسيساء، وهو: العظم الناتئ من ظهر الحمار؛ فيقال: (لأحملنك على الكفل وعلى السيساء، ولأركبنك الحسرى الرزايا).
قال: ومعنى الآية: من ينضم إلى غيره معينا له في فعلة سيئة، ينله منه شدة.
قلت: ولعل هذا القائل إنما توغل في استنباط هذا المعنى؛ هربا من المفهوم عن لفظ الكفل، الذي هو

الصفحة 102