كتاب الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (اسم الجزء: 1)

العمل، وأورث الخشية والتقوى، وأما الذي يتدارس أبوبا منه؛ ليتعزز به ويتأكل: فإن بمعزل عن هذه الرتبة العظمي؛ لأن الفقه تعلق بلسانه دون قلبه؛ ولهذا قال علي رضي الله عنه: (ولكني أخشى عليكم كل منافق عليم اللسان).
[162] ومنه: حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من سئل عن علم علمه، ثم كتمه .... الحديث): هذا الذي قاله: أنه يلجم بلجام من نار، من باب المقابلة في العقوبة؛ وذلك أنه ألجم نفسه بالسكوت حيث فرض الله عليه البيان؛ فألجم بلجام من نار عقوبة له على ذلك.
[163] ومنه: حديث كعب بن مالك رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من طلب العلم ليجارى به العلماء .... الحديث).
(المجاراة: أن يجرى الإنسان مع آخر؛ فيماريه في جريه، والمعنى: أنه يطلب العلم؛ ليعدل بنفسه في العلماء ترفعا ورياء وسمعة؛ كما أخبر عنه في حديث آخر: (إنما قرأت القرآن ليقال: إنك عالم؛ وقد قيل) [34/أ]. والمماراة: المجادلة والمحاجة فيما فيه مرية، وهي التردد في الأمر، والاسم منه: المراء وأصل ذلك من: (مريت الناقة): إذا مسحت ضرعها.
وفي هذا الحديث- سوى الوعيد الوارد فيمن لم يكن له غرض صحيح في طلب العلم- تنبيه على فائدة صحة المقاصد وفسادها؛ حيث بين أن العلم- الذي طلبه مكفرة للذنوب، ومعاة للفلاح، ومئنة لرضا الرب هو الآخذ بيد صاحبه إذا زلت به القدم، ويكون وبالا على صاحبه، وتنقلب تلك القضايا عليه إذا لم يكن له في طلبه قصد صحيح، فيا هنتاه! كم من بلية دخلت علينا من تلكم الأبواب، ولم نشعر بها، ومن الله المعونة، وإليه المشتكى!

الصفحة 106