كتاب الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (اسم الجزء: 1)

[164] ومنه: حديث أبي هريرة- رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله ... الحديث).
هذا الحديث وأمثاله يحمله كثير من الجهال- لاسيما المبتدعة الضلال- على المبالغة في تحريم الجنة على المختص بهذا الوعيد؛ كقوله: (ما شممت قتار قدره)؛ للمبالغة في التبرى عن تناول طعامه، أي: ما شممت رائحته؛ فكيف بالتناول عنها.
وليس المعنى كذلك؛ فإن المختص بهذا الوعيد- إذا كان من أهل الإيمان- لابد وأن يدخل الجنة؛ عرفتا ذلك بالنصوص الصحيحة التي ثبت التواتر فيها، أو في جنسها.
ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل: (إنه لا يجد عرفها على الإطلاق)، وإنما قال: (لا يجد عرفها يوم القيامة)، وهو اليوم الموصوف بقوله سبحانه: {يوم يقوم الناس لرب العالمين}؛ وذلك من حين يحشرون إلى أن ينتهى بهم الأمر إما إلى جنة، وإما إلى نار؛ وذلك: أن الآمنين من الفزع الأكبر، المتلقين بالبشرى والرضوان- وخاصة العلماء الذين لهم الدرجات العلا- إذا وردوا القيامة يمدون برائحة الجنة؛ تقوية لقلوبهم وأبدانهم، وتسلية لهمومهم وأشجانهم، ويكون احتفاظهم بتلك الرائحة على مقدار حالهم في المعرفة وعلو منزلتهم في العبودية.
وهذا البائس الذي تعلم العلم ليبتغى به أعراض الفانية، وكان من حقه: ألا يتعلمه إلا ابتغاء وجه الله: يكون- يومئذ- كصاحب الأمراض الحادثة في تضاعيف الدماغ المانعة عن إدراك الروائح، لا يجد رائحة الجنة، ولا يهتدى إليها سبيلا من الأمراض الكائنة في القلب المخلة بالقوى الإيمانية، أعاذنا الله عن ذلك!
[165] ومنه: حديث ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (نضر الله عبدا سمع مقالتى ..

الصفحة 107