كتاب الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (اسم الجزء: 1)

الحديث): النضرة: الحسن والرونق، ويقال: نضر الله وجهه، ونضر وجهه [34/ب]؛ يتعدى ولا يتعدى، وروى في هذا الحديث بالتخفيف والتشديد، وفي التشديد أنشد الأصمعي:
نضر الله أعظما دفنوها .... بسجستان طلحة الطلحات
ومعنى قول: (نضر الله عبدا) أي: خصه بالسرور والبهجة بما رزق بعلم ومعرفته من القدر والمنزلة بين الناس في الدنيا، وبنعمة في الآخرة، حتى يرى عليه رونق الرخاء ورفيق النعمة، وإنما خص حافظ سنته ومبلغها بهذا الدعاء؛ لأنه سعى في نضارة العلم، وتجديد السنة؛ فجازاه في دعائه له بما يناسب حاله في المعاملة.
وفيه: (ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم): (لا يغل) يروى بفتح الياء وضمها، وكسر الغين على الصيغتين؛ فالأول: من الغل، والثاني: من الإغلال؛ يقال: غل يغل: إذا كان ذا ضغن أو غض أو حقد، وأغل يغل: إذا خان، والإغلال: الخيانة وأما بفتح الياء وضم الغين: فإنه من الغلول، ولا معنى له ههنا؛ لأن الغلول من الغنم خاصة.
والمعنى: أن المؤمن لا يخون في هذه الأشياء الثلاثة، ولا يدخله ضغن يزيله عن الحق حتى يفعل شيئا من ذلك.
وذكر أبو سليمان الخطابى: أن أبا أسامة حماد بن أسامة القرشى كان يرويه: (يغل) مخفف اللام؛ يجعله من (وغل يغل وغولا)؛ يقال: وغل الرجل: إذا دخل في الشجر، وتوارى فيه.
وفيه: (فإن دعوتهم تحيط من ورائهم):
المعنى: أن دعاء الجماعة لأنفسهم قد أحاطته بهم؛ فيحرسهم ويحوطهم؛ فلا يكاد الشيطان ينتهز منهم فرصة بطريق الحقد، أو تسويل الخيانة، كانتهازه من غيرهم.
وفي قوله: (أحاطت بهم): تنبيه منه على أن من خرج من جماعتهم لم ينله بركة دعائهم؛ لأنه خارج عما أحاطت بهم من ورائهم، وقد قال بعض العلماء لا نصيب لمن غير ويدل في دعاء الجماعة؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: (السلام علينا وعلى عبد الله الصالحين).

الصفحة 108