كتاب الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (اسم الجزء: 1)

[171] ومنه: حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: (سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - قوما يتدارءون ... الحديث). يتدارءون، أي: يتدافعون؛ وذلك أن يدفع كل واحد منهم قول صاحبه بما يقع له من القول، والدرء: الدفع؛ قال الله تعالى: {ويدرءون بالحسنة السيئة}، وقد تبين لنا من بقية الحديث، أن القوم كانت بينهم محاجة في القرآن؛ فطفوا يتدافعون بالآيان؛ وذلك أن يسند أحدهم كلامه إلى آية، ثم يأتى صاحبه بآية أخرى مدافعا له؛ كأنه يزعم: أن الذي (أتيت به) نقيض ما استدللت به؛ ولهذا شبه حالهم بحال [35/ب] من قبلهم، فقال: (ضربوا كتاب الله بعضه ببعض)، ومعناه: أنهم خلطوا بعضه ببعض فلم يميز بين الحكم والتشابه، والناسخ والمنسوخ، والمطلق والمقيد من قولهم: (ضربت اللين بعضه ببعض) أي: خلطته، ومنه: الضريب.
ويحتمل أن يكون المراد منه: الصرف؛ فقد استعمل الضرب موضع الصرف والعدل؛ باعتبار: أن الراكب إذا ركب دابة، فأراد أن يصرفها عن جهتها ضربها بعصاه ليعدلها عن جهتها إلى الجهة الأخرى التي يريدها، أي صرفوا كتاب الله بعضه ببعض، عن لمعنى المراد منه، إلى ما مال إليه هواهم؛ كالذي يستدل في مسألة القدر بقوله سبحانه: {قل كل من عند الله}؛ فيرده القدرى بقوله سبحانه: {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك}، في نظائر كثيرة.
[172] ومنه: حديث جابر رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ألا سألوا إذ لم يعلموا؛ فإنما شقاء العى السؤال): أريد بـ (العى) ههنا: الجهل، والعى: عجز يلحق من تولى الأمر والكلام، ولما كان الجهل أحد أسباب العى، عبر عنه بـ (العى).
والمعنى: أن الذي عيى فيما يسأل عنه، فلم يدر بماذا يجيب- فشفاؤه بالسؤال عمن يعلم.
والحديث ههنا مختصر؛ وقد ذكر بتمامه في (باب التيمم).
[173] ومنه: حديث ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أنزل القرآن على سبعة أحرف ... الحديث): حرف الشيء: طرفه، وحروف التهجي سميت بذلك؛ لأنها أطراف الكلمة.

الصفحة 110